الكل في حالة ترقب لما يقوم به سعد الحريري بعد انجلاء الصورة وتموضعه في فرنسا وعندما لا يعود مكبل اليدين والخيارات السياسية وبعدما يعود الى لبنان لتقديم استقالته، لكن الوضع المأساوي والغامض الذي نتج عن الاستقالة بضغط سعودي وفق اوساط قريبة من الدائرة اللصيقة بالمستقبل كشفت معطيات وحقائق لا يمكن تجاهلها ولا يمكن البوح بها وباسرارها على العلن لحراجة المرحلة الراهنة وخصوصيّة ووضعيّة الحريري الراهنة والمستقبلية وحيث قد يكون على المستقبل وقيادته «غض النظر» والتعالي على جراح ما حصل في السعودية بعدما تأكد ان السعودية قامت بدون اي شكوك حول الرواية بالانقلاب على سعد الحريري، وحيث ان السؤال الذي يستمر بالتردد لماذا انهت السعودية دور رجلها القوي والأول على الساحة السنية وفي لبنان؟ وماذا بعد سعد الحريري وما هو مصير المستقبل وموقعه في المعادلة اللبنانية مستقبلاً؟
قد لا يعود سعد الحريري الى الحياة السياسية نفسها، الأمر تقريباً شبه محسوم ومؤكد، تفاصيل ما بعد عودته الى فرنسا ويومياته وحركته يصعب التكهن بها منذ اليوم وان كان في اعتقاد كثيرين وقناعتهم ان الحريري سيستمر تحت الضغوط نفسها ان عاد الى الحكومة او لم يعد، وانه في المرحلة الاولى سيعود متنقلاً بين الرياض وباريس وانه في اقامته الباريسية سوف يكون ملزماً بان لا يكون الشخص نفسه وان الالتزام عن بعد بالتوجهات السعودية والاميركية سيكون السيف المسلط على رقاب الحريري وسيكون «اسير» ما جرى ورسم وخطط له ولي العهد السعودي وما يريده، لكن الايجابيّات لما جرى ويجري ان الاستقالة القسرية عرت اوراق كثيرين في المستقبل وخارجه كما انها حسنت وضع الحريري وفاقمت شعبيته لدى فريق 8 آذار كما لدى جمهوره السني وفريق 14 آذار الذي كان مستاء عندما انجز الحريري التسوية الرئاسية.
احتجز رئيس الحكومة 14 يوماً في الرياض، وفريقه السياسي في بيروت احتجز ايضاً وبات اسير مواقف تفادى ان يتخذها خوفاً على حياة الحريري او اي تأثير سلبي لتصعيده، ويروي مستقبليون ان الاستقالة والاخراج السعودي السيىء لها اصاب المستقبل في الصميم لان احداً في بيت المستقبل لا يستوعب هذا الهجوم السعودي على سعد الحريري «نجل الشهيد رفيق الحريري» تحت اي ظرف ووفق اي اسباب او تبريرات ففي قناعة المستقبل ان المملكة غدرت بهم وذلك حقيقة قد لا يجرؤن على البوح بها وبرأي الرياض ان المستقبل غرر بها وخدعها، ذروة الصدمة كانت في بعض الاصوات داخل المستقبل التي بقيت تدافع عن اجراء الرياض ووصفه بانه لم يحدث اصلاً وتلك التي كانت على تواصل مع الوزير السبهان وهؤلاء كانوا يضعون قيادات المستقبل بصورة ان لا شيىء حقيقي مما يحصل، في حين ان المستقبل كان على بينة من مواقف وتحركات مشبوهة لحلفاء استراتيجيين معه وطريقة تعاطيهم مع الأزمة.
تيار المستقبل اليوم يشبه حال «رئيسه» تماماً يتأرجح ومشتت، لا هو عارف اي خيار سيتبنى ولا ما ستكون حاله مستقبلاً، واي طريق يسلك بعدما أمسك الحريري بمفاصل المستقبل الى التسوية الرئاسية فاقترب المستقبل الى درجة كبيرة من الافرقاء والمكونات السياسية، ولا هو عارف هل يعود الى المواجهة السياسية والى الافتراق عن حلفاء الوطن ومن ارسى معهم تفاهمات وتموضعات سياسية على مدى اكثر من عام. فالتيار الذي استجمع قواه بعد خروجه من السلطة يعيش اليوم الأزمة نفسها ويمرّ بلحظات ضياع مخيفة ومصيرية لا تنفيها او تنكرها قيادات المستقبل وتعكسها مواقف هؤلاء التي ذهب كل منها في تحليله وفق منطقه السياسي ومقاربته لمواكبة ازمة الاستقالة وما قبلها وبعدها ، فان شائعات كثيرة تلاحق مصير التيار الأزرق بعد انتهاء مفاعيل الاحتجاز «بالجسد» للحريري هل سيواكب الحريري ويكون ملزماً الالتزام بالقرار السعودي بنسف التسوية الرئاسية والتصعيد في وجه ايران وحزب الله واي خيار سيكون أقوى وافعل التسوية مع ميشال عون او العودة الى الوراء والى ما قبل زمن التسوية واي مصير سيكون عليه المستقبل ومن هو الجناح الأقوى جناح المشنوق ام جناح السنيورة ام جناح سعد ونادر؟ ولمن ستؤول زعامة المستقبل وقيادته في حال قرر سعد الحريري انه لا يريد التزام اي خيارات؟ ثمة من يرى في تيار المستقبل ان التيار تعود على العمل وحيداً في غياب رئيسه في السنوات الماضية وحافظ على رصيده الشعبي هكذا يمكن ان يكون الحال في المرحلة الاولية وثمة من يقول ان على الحريري ان يبادر ويلتزم بما يريده السعوديون مرغماً وثمة من يقول ان الحريري سيتنحى ولن يعود الى الحياة السياسية السابقة وثمة، من يسوق لنظرية عودة السيدة بهية الحريري لترؤس المستقبل بعد انكفاء بقرار شخصي وذاتي، فالتناقضات كثيرة ويلزمها وقتاً معيناً لانقشاع الصورة التي خلفتها العاصفة السعودية، فالرئيس سعد الحريري منهك بدون شك ولكن التيار الأزرق اثبت بغياب سعد الحريري انه على رغم بعض اصوات النشاز القليلة غير المؤثرة من حول التيار انه لم يترك ورقة الحريري او يتخلى عنه، فالوزير نهاد المشنوق ذهب في تحد واضح وموقف جريء في وجه الرياض عندما رفض المبايعة لبهاء الحريري «لسنا غنم»، الرئيس السابق فؤاد السنيورة الذي اختلف كثيراً مع سعد الحريري برفضه التسوية الرئاسية وانحيازه لحزب الله لم يطعن سعد الحريري في الظهر في مرحلة اختفائه القسري، والسيدة بهية الحريري لم تقبل بالاستدعاء السعودي وهذه البوادر المقبولة حالياً في التفاف المستقبل حول رئيسه في الأزمة مع بعض الاستثناءات غير المؤثرة. «صمت» نادر الحريري والفريق اللصيق بالحريري كان صمتاً مسؤولاً، فيما ترك «مستقبليون» يغردون على هواهم مثل عقاب صقر ومعين المرعبي وجمال الجراح مطلقين الصواريخ الكلامية الهدامة وكأن ما حصل في السعودية نتيجة طبيعية لاخطاء الحريري.
يرى الواقعيون في المستقبل ومن هم على اطلاع على تفاصيل معينة بان الحريري قد يلجأ الى الانكفاء لبعض الوقت في المنفى الباريسي الاختياري بعد تقديم استقالته لرئيس الجمهورية ووضعه في صورة انه لم يعد يريد ان يكون رئيساً للحكومة الحالية وربما لأي حكومة مقبلة وواقعياً قد يكون سعد الحريري اقترب من النهاية السياسية التي رسمتها السعودية بنفسها لرجلها» القوي» في لبنان، وان الحريري سوف يتحرك ضمن ضوابط السعودية وهو يقف على مفترق خيارات لم يريدها اصلاً ولا يريدها اليوم ايضاً. وعملياً فان التسوية الرئاسية التي قامت بين بعبدا والسراي وانتجت مؤسسات وتعيينات وقانون انتخاب صارت بحكم المنتهية اليوم ولم يعد الحريري قادراً على اعادة تشغيلها مجدداً.