بعد ثمانية اشهر من الاخذ والرد، والاشاعات والتحليلات،والتشويش الذي رافق الاعلان عن مكرمة الثلاثة مليارات من كلام عن عمولات وقعت الحكومتان الفرنسية والسعودية العقود اللازمة التي بموجبها ستباشر باريس تسليح الجيش اللبناني مطلع العام 2015 على ان تمتد العملية لمدة ثلاث سنوات، فيما تستمر عقود الصيانة والتدريب لمدة سبع سنوات بقيمة تبلغ حوالى المليار دولار من اصل القيمة الاجمالية.
لعل من اهم انجازات العهد «السليماني» كما يحلو للبعض تسميته تمكن رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، من اختراق الحظر الموجود على تسليح الجيش من خلال الاتفاق السعودي – الفرنسي، الذي يعد ثاني اكبر صفقة سلاح يشهدها التاريخ اللبناني بعد الصفقة التي حققها الرئيس امين الجميل عام 1983 تحت قيادة العماد ابراهيم طنوس والتي سمحت للجيش يومها بتحقيق نقلة نوعية استفاد منها الى اليوم متكلا على الاسلحة التي حققت حينها للقيام بالمهمات الموكلة اليه.
مصادر دبلوماسية مطلعة رافقت عمليات تحقيق العتاد للجيش منذ عام 1990، شرحت تفاصيل مستورة من المكرمة السعودية. اذ بدأت القصة يوم عرض الرئيس سليمان امام المسؤولين السعوديين الحاجة الملحة للحصول على مساعدات لتمويل الخطة الخمسية لتسـليح الجيش، في ظل الحظر الموجود وبعد تراجع روسيا عن وعود كانت قطعتها بتزويد لبنان بمساعدة عسكرية، وفي ظل المزايدات والمهاترات حول عروض ايرانية. يومها ابدى السعوديون اهتماما بالموضوع دون اعطاء اي وعود.
مسعى التقى مع الرغبة الدولية – الخليجية بدعم الجيش تضيف المصادر، وجعله اكثر قدرة على ضبط الحدود ومواجهة اخطار الإرهاب، الاعتداءات الإسرائيليّة والسلاح المنتشر عشوائياً بين اللبنانيين، دون ان يمس ذلك بالتوازنات والستاتيكو القائم على الحدود الجنوبية، والا تزيد الاعباء على عمليات اليونيفيل ولا تغير طبيعة المهمة التي تقوم بها.
وبموجب الاتفاق الجديد وقعت المملكة العربية السعودية 31 عقداً مع شركات فرنسية عدة، عبر الوسيط الفرنسي ODAS، الذي يقوم بتنفيذ العقود الحكومية التجارية التي تعقد بين المملكة وعشرات الشركات الفرنسية الكبيرة، والإشراف عليها. على أن تنفّذ الهبة كالتالي: 2.1 مليار دولار لشراء المعدات و900 مليون دولار لصيانتها، ونالت شركة تاليس Thales الحصة الأكبر من التسليح بموجب الهبة بحيث بلغت حصتها ما يقارب الثلث من الـ 2.1 مليار دولار، لتأمين معدات جديدة بما في ذلك الرادارات، وأنظمة الاتصالات.
المصادر العسكرية المطلعة اكدت ان الفرنسيين اقترحوا، تعزيز البنى التحتية العسكرية بداية، من خلال تكريس مبلغ 600 مليون دولار من المبلغ المرصود من الحكومة اللبنانية لتسليح وتجهيز الجيش، لاعادة تاهيل المستشفى العسكري المركزي وانشاء مراكز طبية في المناطق، فضلا عن مبلغ 250 مليون دولار اخرى لاعادة تأهيل وسائل النقل العسكرية العادية، وتجهيز المنشآت اللازمة لاستيعاب العتاد والسلاح المحقق، على ان ياتي كل ذلك مكملا لبرنامج المساعدات العسكرية الذي تقدمه الولايات المتحدة للبنان.
واشارت المصادر الى ان دراسات عديدة اعدت بناء على ما رفع من لوائح من القطع العسكرية جرت ملائمتها مع الحاجات بحسب سلم اولويات ومعايير محددة كلفة لجنة عسكرية باعدادها، ضمت ضباط اختصاصيين قاموا بزيارة معامل السلاح الفرنسية وتجربة المعدات والاسلحة واستمعوا الى شروحات مفصلة، انتهت الى تحديد لوائح نهائية تشمل:
– على صعيد القوات البرية القوات البرية، ستؤمن شركة رينو تراكس ديفانس Renault Trucks Defense ناقلات الجند المصفحةVAB مجهزة ببرج مدفعية من نوع سيزار من إنتاج شركة نكسترNexter ومركبة مدرعة خفيفةVBL قادرة على المناورة في الشوارع والجبال، كما ستشمل الصفقة شراء 300 شاحنة عسكرية، علما ان افواج التدخل والافواج الخاصة في الجيش تستعمل هذا النوع من الآليات المعروف بـ«الفاب» التي كان اشتراها لبنان في ثمانينات القرن الماضي. اما فيما خص المدرعات الثقيلة فقد استغنى لبنان عن شراء دبابات «لوكلير» و»ام اكس 13» بعدما تبين كلفة صيانتها العالية( كلفة صيانة 30 دبابة تبلغ 10 ملايين يورو سنويا) وعدم ملائمتها مع البنية التحتية والطرق اللبنانية، علما ان دبابات «ام اكس 13» كانت العمود الفقري لسلاح المدرعات اللبناني حتى عام 1983 قبل دخول دبابات «ام 48» الاميركية الخدمة واستمرت حتى عام 1991 قبل ان تسحب من الخدمة لصالح دبابات «ت «54 و«ت55» قدمتها سوريا. إلا أن لبنان لن يتسلم أي مركبات قتالية مدرعة للمشاةVBCI مراعاة للسياسة الثنائية الفرنسية التي تجيز التفوق التقني لإسرائيل على جيرانها.
اما سلاح المدفعية فسيحصل على مدافع من عيار 155 حديثة الا انها لن تكون مزودة ببعض التقنيات الحديثة.
كما علم انه سيتم تسليم عتاد وتجهيزات خاصة بالقتال الجبلي، علما ان الجيش الفرنسي كان درب سرية خاصة بهذا القتال تعتزم قيادة الجيش تحويلها الى فوج خاص.
تجهيز مديرية المخابرات بأجهزة حديثة للمراقبة والتنصت تسمح لها بتحسين ادائها في مجال مكافحة الارهاب.
وفيما خص منظومة سلاح الدفاع الجوي فقد تم الاكتفاء بصواريخ ارض- جو «ميسترال» من الجيل الجديد التي يبلغ مداها العملي ثلاثة آلاف متر، تستخدمه القوة الفرنسية الموجودة في اطار اليونيفيل، ستسلمها شركة «إم بي دي إيه»على ان تركب على المركبات المدرعة الخفيفة، بعد فشل المسعى اللبناني بالتزود بصواريخ «كروتال»، علما ان صفقة تم توقيعها في ستينيات القرن الماضي بتمويل سعودي انتهت الى فسخ العقود بعد ان فاحت رائحة العمولات يومها.
اما فيما خص سلاح الجو فسيتم تزويد لبنان بسرب من طائرات «سوبر بوما» الحديثة لنقل الجنود، تسلم بعد الانتهاء من تصنيعها، و«كوغر» من إيرباص، وطوافات غازيل مستعملة مجهزة بمنصات صواريخ هوت .علما ان سلاح الجو اللبناني بامكانه استيعاب هذه المعدات بسرعة كون تلك الطائرات موجودة اساسا ضمن «اسطوله» بعد ان قدمتها دولة الامارات، فضلا عن ان المروحيات الفرنسية المذكورة اضافة الى «الالويت1» و«الالويت 2» شكلت جزءا اساسيا في ما مضى من قوة سلاح الجو اللبناني.
أما في المجال البحري، ستقوم المملوكة من احد اللبنانيين بتزويد البحرية اللبنانية بثلاثة زوارق دورية من نوع FS 56 مجهزة بصواريخ Simbad-RC من إنتاج MBDA، بعد منافسة مع شركة DCNS التي عرضت على الجيش سفن من نوع Gowind من فئة Adroit وRaidco.. وكذلك اربع سفن دورية مجهزة بصواريخ بحر-بحر ورادارات «تاليس» من طراز «ادورا» بطول 40 مترا بدلا من النسخة الاصلية التي تقارب الثمانين مترا،يمكن للقواعد البحرية اللبنانية استيعابها لناحية العمق،على ان تبنى الاحواض الجافة اللازمة لصيانتها، فضلا عن شبكة رادارات بحرية مهمتها حماية المنطقة الاقتصادية الخالصة ومحطات التنقيب في عرض البحر ومواجهة الاعمال الارهابية عبر الحدود البحرية، على ان ينتهي تلسم تلك المعدات في غضون السنوات الثلاث المقبلة.
تجدر الإشارة إلى أن البحرية اللبنانية تسلمت مؤخراً محطات سلاح من نوع NARWHAL 20A وذخائر 20×102 بحسب ما أفادته شركة Nexter في معرض يورونافال الذي عقد في نهاية تشرين الأول الماضي في باريس. وبذلك أصبح لبنان أول دولة تشتري محطات سلاح بحرية من نوع NARWHAL ويعود أول عقدين أبرمتهما الشركة على هذا النوع من المحطات إلى عام 2012 أي قبل الهبة السعودية. يذكر أنه من المتوقع أن تبدأ عمليات تسليم الأسلحة الفرنسية للجيش اللبناني في الفصل الأول من العام 2015.