Site icon IMLebanon

تركيا والسعودية في سوريا… ٧ أهداف استراتيجية

 

 

شهد العقد الماضي أسوأ مراحل العلاقات الثنائية بين كل من تركيا والسعودية من جهة وسوريا من جهة أخرى، وكانت الدولتان شريكتين في الموقف السلبي من النظام السوري وعملت كلّ منهما على طريقتها للمساهمة في إسقاطه، وكان ذلك علانية وليس بالسر.

هذا الموقف المشترك من سوريا كان بالرغم من الخلاف الحاد بين الرياض وأنقرة، الذي وصل الى ذروته مع حادثة قتل الصحافي جمال الخاشقجي في 2 أكتوبر ٢٠١٨ داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، حيث انقطعت العلاقات وبدأ كيل الاتهامات والاستثمار بالحادث، ويعود جزر الخلاف الى تبنّي كل من الدولتين فكراً ايديولوجياً اسلامياً مختلفاً عن الآخر مما ينعكس بشكل دائم على حدة التنافس، لا بل الصراع على زعامة العالم الاسلامي السني الشرق أوسطي.

 

وكما كان العداء للنظام السوري والعمل على اسقاطه قاسماً مشتركاً للدولتين كذلك العودة اليوم الى التطبيع معه واعادة العلاقات الديبلوماسية والسياسية مع الدولة السورية أيضا تشكّل رغبة مشتركة في توقيت مشترك للدولتين السعودية وتركيا، ولكل منهما سبعة أسباب أو أهداف استراتيجية.

 

أولاً: الاستقرار الاقليمي

 

هو مطلب ملح وحاجة مشتركة لكل من السعودية وتركيا معاً، وكلاهما يرى أن اعادة الهدوء والاستقرار الى سوريا يعيد ترتيب أوراق المنطقة ويسمح لكل من الدولتين بتنفيذ المشاريع الاقتصادية والسياسية التي ترسمها بفاعلية أكبر من دون الحاجة الى الانغماس في توسيع دائرة الصراع والفوضى الاقليمية، وهذه الحاجة باتت أكثر الحاحاً بعد جائحة كورونا وآثارها على الاقتصاد ما دفعَ الدول الى إعادة صياغة أولوياتها السياسية والاستراتيجية.

 

ثانياً: إيران

 

بينما ترغب السعودية، من خلال اعادة تأدية دور وفاعل على الساحة السورية، بالحد من التواجد والدور والنفوذ الإيراني، حيث اكتشفت الدول العربية ولو متأخرة أنّ ترك الساحة السورية كان لصالح قوى اقليمية سواءً كانت ايران من جهة أم تركيا من جهة ثانية وعودة السعودية بما لها من ثقل سياسي واقتصادي عربي، يُقلّل حكماً من الدور غير العربي في سوريا.

 

أما تركيا فترغب، من خلال تصحيح علاقتها مع دمشق، بتقوية علاقتها بكل من طهران وموسكو الحليفتان لدمشق وبالتالي تقوية البرامج الاستراتيجية بين الدول الثلاث على المستويات العسكرية والاقتصادية، مع العلم أنهم شركاء فاعلون تجمعهم منصة أستانة التي أدّت دورا سياسيا بارزاً طيلة الأزمة السورية، واستطاعت أن تحافظ على نوع من التواصل والحوار في وقت كان الصوت الوحيد في الميدان للبارود والنار.

 

ثالثاً: التغيّرات الجيوسياسية وأزمة اللاجئين

 

فيما تقرأ القيادة السعودية التغيرات على الساحة الدولية بشكل جيد وتترجم هذه القراءة بإعادة التوازن للعلاقات الخارجية ورسم خارطة جديدة للتحالفات الدولية تقوم على مبدأ التوازن بين الشرق والغرب، ترى السعودية أن مسار المصالحة مع ايران بالرعاية الصينية والعلاقات الاستراتيجية مع موسكو لا بد أن تكتمل بعودة العلاقات الطبيعية مع حليفتهم في الشرق الأوسط، سوريا، ليكتمل هذا المسار ويتكلل بالطابع العربي والعباءة التي تسعى السعودية للحفاظ عليها في ظل تنافس عربي شديد بين «الحلفاء الألدّاء» السعودية والامارات وقطر.

 

في هذا الوقت يرى أردوغان أن تطبيع العلاقات مع سوريا قد يضع حلاً لمشكلة النزوح المُستفحلة في تركيا، والتي باتت تشكل خطرا جديا على الأمن القومي التركي وسط تنامي شعور الكراهية بين اللاجئين والمواطنين على خلفية الضغوطات الاقتصادية والعمالة وملفات عديدة.

 

رابعاً: الاقتصاد واعادة الاعمار

 

وهو هدف مشترك لكل من السعودية وتركيا في سوريا، اذ تقرأ الدولتان أن مرحلة الحرب أصبحت في فصولها الأخيرة وأن المستقبل هو لإعادة الاعمار وبدء الاستثمار في السوق السورية التي تعتبر حيّة ناشطة وواعدة نظراً للحاجة الى ترميم البنية التحتية والاعمار وفتح الأسواق وسوق الخدمات من كهرباء ومياه واتصالات وسط بدء الحديث عن دور وشراكة مع القطاع الخاص في كل هذه المجالات، بعد عقد من الانغلاق والحصار والعقوبات التي لا زالت تشكل بالسياسة الضغط الأكبر على الاقتصاد.

 

خامساً: القيادة العربية والزعامة السنية

 

تعلم كلّ من السعودية وتركيا أن الأولى لا تستطيع أن تقود العالم العربي من دون سوريا، لِما لها من دور وموقع مهم في صلب هذا العالم وأساسه. وبما أن تغيير النظام أصبح من الماضي لا بد من عودة سوريا كما هي الى العالم العربي، وبالتالي لا بد من العودة العربية الى سوريا فلا العودة العربية تكتمل من دون السعودية ولا القيادة السعودية للعالم العربي تكتمل من دون سوريا، هذا سعوديّاً.

 

أما سنيّاً، فكلا السعودية وتركيا تدركان أن دمشق بتاريخها منذ الفتح العربي، والهجرة من الجزيرة العربية، وبعشائرها ومساجدها وديمغرافيتها هي الرافعة الأساسية للقيادة السنية في المنطقة، وبالتالي منها الى العالم، فهي بيضة القبّان. ومَن يستحوذ على استمالة الشارع السني السوري تكون له الأفضلية في السباق على كرسي الزعامة السنية في المنطقة فأكثر من ٧٠% من السوريين من الطائفة السنية الكريمة، الذين أصبح إجمالي عددهم يُقدّر بـ ١٧ مليون بعد الحرب وأزمة النزوح إلى الأردن ٦٧٠ ألفاً، ولبنان ٢ مليون، وتركيا ٣،٦ ملايين، ومنهم إلى أوروبا.

 

سادساً: السياسة الداخلية

 

تعتبر المصالحة مع سوريا لكل من تركيا والسعودية حافزاً اضافياً لمخاطبة الداخل لدى كل منهما، فأردوغان الذي يسعى لتعزيز شعبيته بعد التراجع في السنوات الأخيرة يستطيع من خلال المصالحة مع سوريا أن يقدّم نفسه للداخل التركي على أنه الزعيم القادر على حل المشاكل الاقليمية والقادر على التفاوض مع الخصوم لما فيه مصلحة تركيا، ويستطيع أن يأخذ ضمانات ربما بعدم حصول الأكراد مستقبلاً على أي نوع من الخصوصية أو الادارة الذاتية الأمر الذي ترفضه دمشق أساساً.

 

 

أما في السعودية، فالمصالحة مع سوريا تندرج في صلب سياسة ولي العهد التي تقوم على ركيزتين أساسيتين، الاصلاح والتركيز على الداخل تحت عنوان رؤية ٢٠٣٠، والمصالحة هذه تصبّ في خانة تصفير المشاكل وتخفيف الأعداء، ممّا يُفسح في المجال للتركيز بشكل أكبر وباستقرار أكثر على الشأن الداخلي لتحقيق المشاريع والبرامج المرسومة، وتأتي أيضاً من ضمن عناوين تنويع الخيارات السياسية والاستثمارية، كَون من صُلب سياسة بن سلمان عدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للاقتصاد السعودي فتكون الأسواق الواعدة بديلاً عنه، وقد تكون سوريا واحدة من هذه الأسواق التي يمكن الركون إليها في تحقيق الأهداف الداخلية.

 

سابعاً وأخيراً: مكافحة الإرهاب

 

لا يوجد منطقة آمنة من دون سوريا آمنة، فلا الخطر المردي على تركيا ولا الخطر الأصولي الاسلاموي على تركيا والسعودية والعالم يمكن تداركه من دون وقف حمّام الدم السوري والتعاون مع المؤسسات والأجهزة السورية لتعقّب ووقف تصدير العناصر المؤدلجة من سوريا وإليها، وهذا يقين أمني مفروغ منه ودافع أساسي من دوافع المصلحة المشتركة من المصالحة السعودية والتركية مع سوريا، فبذلك تفكّك المجموعات الارهابية التي لا تزال متواجدة في ادلب وكذلك تضبط الحدود الشمالية لعدم تسلل العناصر الكردية المعادية لتركيا والتي تصنفها إرهابية. وكذلك من خلال التنسيق الامني العربي المشترك، تضبط حركة الارهابيين الذين يعتبرون السعودية عدوة لهم وذلك من خلال تبادل المعلومات والخبرات والدعم للأجهزة الأمنية لتعقّب هؤلاء والتعامل معهم في المصدر أفضل من الانفاق المضاعف لِتجنّب خطرهم في السعودية أو غيرها من دون نتيجة.

 

بالرغم من التقارب السعودي السوري والرغبة التركية بتصحيح العلاقات مع دمشق، الا أنّ عقبات كثيرة لا زالت تشكل عائقا أمام الوضع في سوريا أبرزها اقتصادي، وسببه المباشر العقوبات ولا سيما قانون قيصر، والآخر أمني من خلال استمرار استحواذ بعض الجماعات الخارجة عن كنف الدولة على بعض المناطق مثل الجماعات المسلحة في ادلب والكردية الانفصالية في الشمال الشرقي. ومن العقبات أيضا التدخلات الخارجية الحليفة منها والمتخاصمة مع الدولة السورية، فإلى جانب التواجد العسكري الايراني والروسي هناك الوجود الأميركي لا سيما في قاعدة التنف الذي يدعم ويموّل الانفصاليين الاكراد ويستحوذ على حقول الغاز مصدر الطاقة الوحيد للسوريين، بالإضافة الى الوضع الانساني والتفكك الاجتماعي والهجرة والنزوح واعادة الاعمار. كلها عناوين ستتحكم بمسارات المستقبل السوري وباتجاهات المرحلة المقبلة، وحَل هذه المشاكل يتطلب تعاوناً وتمويلاً دولياً لا يبدو أنه على الطاولة في هذه المرحلة التي تمر بها الدول بأزمات داخلية تجعلها تقول «أللهم نفسي أولاً».