يقلق الغرب كلما مرض الملك السعودي، وتتكاثر المقالات والنظريات عن الخلافة واستمرار النظام. حدث ذلك في نهاية عهد الملك فهد ويحدث اليوم. لكن ما يزيد في قلق الغرب، في العقد الثاني من هذا القرن، أن مرض العاهل السعودي يأتي في وقت تواجه المملكة مشاكل داخلية وخارجية جمّة، وبعضها يصعب حله.
في الداخل تواجه، أولاً، كما يعتقد المراقبون لأحوال السعودية ودول الخليج، مسألة الخلافة وقضايا اجتماعية وديموغرافية ومذهبية تتطلب معالجتها في المستقبل القريب. يعتبر هؤلاء أن الملك عبدالله بن عبد العزيز قام بخطوات جريئة لمعالجة القضايا الاجتماعية، بخاصة ما يتعلق بتعليم المرأة والتعليم عموماً الذي هو في حاجة ماسّة إلى التحديث والتوجيه، كي يستطيع متخرجو الجامعات والمدارس إيجاد العمل المناسب. إن نسبة البطالة المقنّعة في السعودية عالية جداً وتهدّد الاستقرار والسلام في المدى الطويل. كذلك، فإن عدد سكان المملكة تزايد كثيراً في العقود الماضية وارتفع بين العامين 1975 و2014 من أقلّ من عشرين مليون نسمة إلى حوالي ثلاثين مليوناً ما يزيد من أزمة البطالة. وهناك أيضاً قضية السعوديين الشيعة وإمكان احتوائهم وطنياً والسماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية والمحلية بحريّة.
لكنّ الأهم من ذلك كله، بالنسبة إلى المراقبين والمسؤولين الغربيين، مسألة الخلافة. فإضافة إلى وجود وليّين اثنين للعهد، هناك خلافات عميقة بين أعضاء الأسرة المالكة. وبالرغم من أن خلافات الأسرة قلّما خرجت إلى العلن، إلا أن السنوات العشر المقبلة ستشهد انتهاء حكم أبناء عبد العزيز بن سعود لمصلحة أحفاده. وبينما لا تزال الخلافة بين الأخوة إلى حد بعيد تسير بانتظام، (لذلك لا يتوقع المراقبون أن تكون ثمة مشكلة خلافة بعد الملك عبدالله)، فإن قواعد اللعبة بين الأحفاد لا تزال مجهولة، وهنا يكمن الخوف الغربي على الاستقرار في المملكة. ويعتقد البعض أن الخلاف في العائلة قد يبدأ قريباً في حال أصبح ولي العهد الحالي الأمير سلمان ملكاً، وقرر استبدال ولي ولي العهد الحالي الأمير مقرن بأخ أصغر، هو الأمير أحمد، سابع السديريين، نسبة إلى أبناء الملك عبد العزيز السبعة من زوجته من قبيلة السديري التي كان منها الملك فهد والأمير سلطان والأمير نايف.
أما القضايا الخارجية التي تواجهها المملكة، فمعقّدة وصعبة وذات طابع سياسي وأمني تبدأ في اليمن، وتمتد إلى معظم الدول العربية والإقليمية. فالسعودية تقود المحور العربي في المنطقة، بينما تقود إيران وتركيا وإسرائيل المحاور الثلاثة الباقية وكلها متناحرة. المشكلة الأكبر التي تواجه المملكة في اليمن حيث يسيطر الحوثيون، حلفاء إيران، على معظم المنطقة الشمالية من اليمن (اليمن الشمالي سابقاً) التي كانت في معظم الأحيان، منذ انتهاء الحرب الأهلية بين الجمهوريين و»الإمام» حليفة للسعودية. ويشير المراقبون إلى أن الخلاف في اليمن مذهبي (زيدي ـ شافعي)، والحوثيون الزيود يقودون الحملة لإزاحة الرئيس عبد ربه منصور هادي، أول شافعي يتسلم الرئاسة اليمنية بضغط من مجلس التعاون الخليجي على الرئيس السابق علي عبدالله صالح (زيدي). وفي البحرين تستمر تظاهرات الأكثرية الشيعية مطالبة بالمساواة والحرية والديموقراطية. وهذان البلدان يُعتبران من صميم السياسة «الداخلية» للمملكة واستقرارها.
يبقى العراق في اهتمام السعودية بعد أن أفرز الاجتياح الأميركي له بدعم سعودي (2003) دولة بأكثرية شيعية وصديقة لإيران. تحاول المملكة اليوم، بمساعدة أميركية، تسليح القبائل السنية في وسط العراق وتأمل بإنشاء إقليم سني، على غرار الإقليم الكردي، يكون صديقاً لها، وربما فاصلاً بين شيعة إيران والعراق من جهة، والنظام السوري و «حزب الله» من جهة أخرى. غير أن الحكومة العراقية تمانع في تزويد القبائل بالسلاح الثقيل، كما تعارض بقوة إقامة إقليم سني وتصرّ على عراق موحّد ضمن الاعتراف بخصوصية الأكراد.
وتراوحت السياسة السعودية تجاه سوريا، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005 بين المعاداة والمهادنة إلى أن وصل «الربيع» العربي إلى سوريا في آذار 2011. سعت المملكة عند ذاك إلى إسقاط النظام وتغيير الرئيس، وقامت بتدريب منظمات المعارضة خاصة الإسلامية منها وتسليحها وتمويلها. بعد صمود النظام وامتناع واشنطن عن المشاركة في الحرب السورية، تستمر المملكة في دعمها المعارضة، لكنها باتت اليوم أقرب إلى موقف واشنطن التي تسعى إلى الوصول إلى حل سياسي.
في الخليج تزعج قطر المملكة وتبدو كأنها دائماً في مواقف معارضة للموقف السعودي. لكن ربما نجح الاجتماع الأخير بين الملك السعودي وأمير قطر في التقريب بين البلدين.
العلاقة السعودية مع مصر ممتازة، والبلدان يتفقان على محاربة الإخوان المسلمين والمحورين الإقليميين، الإيراني والتركي، وإن بمواقف مختلفة بعض الشيء. كذلك يبدو أن الموقف المصري المتعاطف مع النظام السوري لا يزعج السعودية كثيراً، إذ ما يجمعهما أهم ومصيري للبلدين.
أما لبنان وفلسطين فهما في أدنى الاهتمامات السعودية، لأن المملكة تعرف صعوبة تغيير التوازنات بين المكوّنات اللبنانية القائمة، واستحالة حسم الخلاف الفلسطيني بسبب التعنت الإسرائيلي، وعدم قدرة واشنطن على ممارسة الضغوط اللازمة على الدولة العبرية.
باختصار، فإن المشاكل الداخلية والخارجية للسعودية التي استجدّ معظمها مع بداية هذا القرن، تشكل قلقاً كبيراً للغرب المعتمد على درجة عالية على السعودية من أجل تدفق البترول إلى الأسواق الدولية. كذلك يعتبر المراقبون الغربيون أن البديل من الأسرة المالكة هو نظام «داعشي» متطرّف قد يمتدّ إلى كل دول الخليج. لذلك يبقى الحفاظ على النظام السعودي من الأولويّات السياسيّة للدول الغربية، بخاصة واشنطن.