IMLebanon

السعودية في اليمن… حال دفاع عن النفس

كان توقّف «عاصفة الحزم»، من دون أي تراجع في العزم، وبدء «عاصفة إعادة الأمل» دليلا على أن المملكة العربية السعودية وحلفاؤها العرب إنّما يحاولون استعادة اليمن إلى الحضن الخليجي والعربي الدافئ. يتبيّن يوما بعد يوم أنّ لا وجود لأي نيات عدوانية خليجية تجاه اليمن. على العكس من ذلك، هناك سعي دائم إلى المحافظة على اليمن من جهة ومنع تحوّله إلى قاعدة انطلاق لعمليات عدائية تجاه جيرانه، على رأسهم المملكة العربية السعودية من جهة أخرى. 

لم يكن من خيار آخر غير اللجوء إلى العمل العسكري يعدما تمادت ايران في وضع يدها على اليمن مستخدمة الميليشيات الحوثية التي اعلنت صراحة بلسان زعيمها عبدالملك الحوثي وجود شرعية جديدة هي «الشرعية الثورية».

من لديه أدنى شكّ في النيّات الإيرانية، يستطيع العودة إلى الخطابات المتتالية للحوثي، خصوصا منذ وضع يده على صنعاء يوم الواحد والعشرين من ايلول ـ سبتمبر الماضي. 

تسلّل الحوثيون (أنصار الله») إلى العاصمة وأقاموا حواجز فيها واعتصموا في اماكن معيّنة بحجة الإعتراض على رفع الدعم عن مواد اساسية للمواطن. لم يكن الإعتراض على «الجرعة» سوى مبرر واه لمتابعة حملة عسكرية توّجت باحتلال العاصمة والسيطرة على المؤسسات الرسمية كلّها.

لعب «انصار الله» على كلّ التناقضات. كانوا الطرف السياسي الوحيد الذي يعرف ماذا يريد قبل أن تتنبّه السعودية إلى نياتهم الحقيقية التي بدأت تتبلور في الأسابيع والأشهر التي تلت السيطرة على صنعاء ووضع عبد ربّه منصور ورئيس الحكومة خالد البحاح في الإقامة الجبرية.

راح الحوثيون يتمددون في كلّ الإتجاهات. سيطروا عمليا على مواقع استراتيجية مثل ميناء الحديدة، وهو من أهمّ الموانئ على البحر الأحمر. كانت عدن، بالنسبة إليهم، الجائزة الكبرى وقد استطاعوا الوصول إليها بعد أن سهّل لهم علي عبدالله صالح ذلك بفضل القطع العسكرية التي ما زالت موالية له. هذه القطع موزّعة في انحاء مختلفة من البلد، بما في ذلك المناطق المحيطة بتعز ومناطق تفصل بينها وبين عدن .

في كلّ الأحوال، كان الاعتقاد السائد لدى الإيرانيين أن الحوثيين في صدد فرض أمر واقع بات يسمح لكبار المسؤولين في «الجمهورية الإسلامية» بالقول أن طهران تسيطر على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. لماذا لا تسيطر على عاصمة سابقة هي عدن، لا تزال نظريا العاصمة الإقتصادية والشتوية لليمن؟

لم تنطل اللعبة الإيرانية التي كان اليمن مسرحهاعلى أحد في الخليج. قامت هذه اللعبة على فرضية أن المملكة العربية السعودية ستبقى في موضع المتفرّج في إنتظار اليوم الذي تنصب فيه صواريخ ايرانية تهدّد مدنها ومنشآتها انطلاقا من جبال اليمن. لا شكّ أنّ ما اثار كلّ نوع من الشكوك كان بدء تحويل ميناء الحديدة إلى ميناء ايراني وفتح مطار صنعاء امام كلّ نوع من انواع البضائع الإيرانية بعد توقيع إتفاق جوي، لا شرعية له من أي نوع، بين الحوثيين والسلطات في طهران…

لم تكن «عاصفة الحزم» هجوما سعوديا على اليمن. كذلك، لم تكن هجوما خليجيا عليه. كانت هناك رغبة في تأكيد أن العرب ما زالوا على خريطة المنطقة. تلك رسالة الملك سلمان بن عبد العزيز التي عبّرت عن الصحوة العربية بمجرّد انطلاق أول طائرة سعودية لضرب اهداف حوثية في اليمن. لعلّ أفضل من لخّص الموقف الخليجي الشيخ محمد بن زايد وليّ عهد أبوظبي الذي زار قبل أيّام قاعدة الملك فهد الجويّة لتفقد القوات الإماراتية المشاركة في «عاصفة الحزم» ولتأكيد أن الموقف الخليجي واحد. قال الشيخ محمّد أنّ «خيارنا الوحيد الإنتصار في امتحان اليمن لصالح منبع العروبة والمنطقة».

يعرف ولي عهد أبوظبي تماما ماذا يعني اليمن عربيا، فوالده الشيخ زايد «رحمه الله» اعاد بناء سد مأرب الذي شتت انهياره القبائل العربية. وقد اشرف الشيخ زايد بنفسه على افتتاح السدّ الجديد في العام . هناك بكلّ بساطة بعد عربي للحدث اليمني. والأهمّ من ذلك كلّه أن الحدث اليمني كشف حجم التحديات التي تواجه العالم العربي. لذلك شدّد محمّد بن زايد على أنّ «الدول العربية في أمسّ الحاجة في هذه المرحلة الدقيقة إلى التضامن والتكاتف والتآزر لمواجهة الأطماع ومختلف التحديات. وعلينا بناء إطار سياسي وعسكري وتنموي متقدّم من أجل عزّة العرب ومكانتهم في المنطقة والعالم»، موضحا «أنّ التحرّك لإنقاذ اليمن لا يقتصر على الجانب العسكري أو الأمني، بل سيمتد إلى الجوانب التنموية والإقتصادية والإنسانية والإجتماعية لأهمّيتها في دعم الشعب اليمني كي يتمكّن من التغلّب على التحدّيات كافة».

كان لـ»عاصفة الحزم»، ولا يزال لها، معناها. فالهدف من العمل العسكري إفهام كلّ من يعنيه الأمر أن لا مجال لوضع اليد على اليمن واستخدامه في ابتزاز السعودية ودول الخليج العربية. إذا كانت الإدارة الأميركية مستعدة لترك ايران تجمع أوراقا في المنطقة لتعزيز موقفها التفاوضي في شأن ملفّها النووي، فهذا شأن الولايات المتحدة. لكنّ للعرب حساباتهم أيضا. تشمل هذه الحسابات وضع حدّ للتمدد الإيراني في اليمن وغير اليمن والعمل في الوقت ذاته على الخطّ السياسي والتنموي والإنساني الذي تعبّر عنه «عاصفة إعادة الأمل».

المهمّ وسط كلّ ما يجري أن الرهانات على التفريق بين الدول العربية المشاركة في «عاصفة الحزم» لم تكن في محلّها. لا وجود لضربات عسكرية من أجل الضربات العسكرية. هناك مقاربة شاملة للموضوع اليمني. هناك ايضا ادراك في العمق لما هو على المحكّ بالنسبة إلى مستقبل المنطقة الخليجية. فوق ذلك كلّه، هناك استيعاب لفكرة أن ايران تراهن على الكسل العربي وعلى نوع من السذاجة في فهم طبيعة العلاقة بينها وبين «انصار الله». 

هذه العلاقة عضوية وعميقة أكثر بكثير مما يعتقد. هذا لم يعد سرّا. ما لم يعد سرّا أيضا أن هناك قوّة عربية مستعدة للمواجهة ولطرح الحلول السياسية، التي لا تستبعد أحدا، متى آن أوان ذلك. إنّه الجديد العربي انطلاقا من اليمن.