على أهمية الأبعاد والدلالات التي تكتسبها التطورات الاقليمية الميدانية في حلب، والدولية في موسكو مع ما أسفرت عنه القمة الروسية- التركية من نتائج سيما لجهة اعادة العلاقات الى سابق عهدها، لم تصدق ايا من التوقعات الايجابية التي لفحت مخيّم المتفائلين محليا. فجلسة انتخاب رئيس للجمهورية ، والتي قيل انها قد تحمل العماد عون الى بعبدا، انضمت الى شقيقاتها ال43 ،والوضع الميداني في حلب «متذبذب» غير واضح المعالم والنتائج بانتظار المنازلة الكبرى.
انطلاقا من ذلك ، تراوح الملفات الداخلية اللبنانية، لا سيما الرئاسية، مكانها ضمن ستاتيكو قاتل، الى حين اتضاح صورة التطورات «الحلبية» وهويّة الجهة التي ستحسم المعركة لصالحها، وربما ابعد من ذلك على ما يكشف دبلوماسي غربي في بيروت امام مجموعة من اصدقائه، من ربط الانفراج اللبناني ببروز معالم الحل السوري ككل، والذي بات اكثر تعقيدا بعد «الانعطافة» التركية المؤقتة، واصرار الجمهورية الاسلامية على استخدام الرئاسة اللبنانية كورقة ضغط دوليا.
عوامل، والكلام للدبلوماسي، ترفع من منسوب التوتر على أكثر من مستوى اقليمي ودولي بفعل مسار العمليات العسكرية في حلب وتردداتها على مستوى العلاقة بين واشنطن وموسكو من جهة، وتلك التي تسببت بها بين الرياض وطهران وحلفائهما اضافة الى المعلومات التي تحدثت عن توقف المساعي الأممية الجارية من اجل التسوية السياسية في اليمن والتي استضافتها الكويت بدعم عُماني ودولي ما يقود الى تصعيد عسكري ينهي مساعي التهدئة.
وبما ان لبنان اعتاد ان يكون أول المتأثرين بالرياح الاقليمية وتقلّباتها، فان ما يجري على الساحتين اليمنية والسورية تسبب بالمزيد من هدر الفرص السلمية وان الاسابيع القادمة ستشهد حماوة عالية، بفعل ما تكشفه التقارير الاستخباراتية عن قرار سعودي بحسم الساحات في ظل التطورات التركية، ترجم تسليحا نوعيا للفصائل المقاتلة على الجبهتين، ما سينعكس بالتاكيد على الساحة اللبنانية امنيا وعسكريا واقتصاديا ،تاركا ارتدادات سياسية تعكسها العقبات التي تحول دون اي مقاربة تتصل بالإستحقاق الرئاسي في هذه المرحلة كما بالنسبة الى الملفات التي يمكن ان تؤدي الى حلحلة.
في موازاة ذلك ، كشفت تقارير دبلوماسية غربية، ان الرياض اوعزت عبر مؤسساتها الدبلوماسية والعسكرية الى التحرك بأي ثمن لنصرة حلب المحاصرة وتوفير الدعم العسكري والدبلوماسي لاستعادة السيطرة على خط حلب – الاراضي التركية وهي تراهن على دور اميركي – تركي ، في هذا الخصوص ، في الوقت الذي سارعت فيه المملكة سارعت الى إجراء الإتصالات بالقيادة الروسية من اجل معالجة الوضع الطارئ معولة على الصمود التركي في وجه «المغريات» الروسية.
في المقابل تدوزن انقرة «زكزكتها لواشنطن على وتر استئنافها لعلاقاتها مع موسكو من جهة، وما انتجته قمة سان بيترسبورغ من مقررات «سرية» أوحت بها الاجتماعات الدبلوماسية والامنية والاستخباراتية بين الطرفين، يبدو ان انقرة احتوت ضربة الانقلاب بحسب الديبلوماسي الغربي ونجحت في استعادة توازنها في الطريق نحو ضمان حصتها في «قالب الجبنة» الاقليمي، عبر الإمساك بالعصا من نصفها،ما اثار حفيظة الادارة الاميركية، واضعا العلاقات بين الدولتين تحت ضغط كبير وتوتر عززته ترسبات ناتجة عن اختلاف في الأولويات في ما خص الملف السوري وسط خشية لدى كلا الدولتين اذا ما تبنت أهداف اخرى ان تهمّش أهدافها الرئيسية الخاصة، كل ذلك معطوف على الدعم الأميركي العلني لأكراد سوريا الذي يستفز تركيا، بحسب مصدر دبلوماسي متابع.
ويؤكد المصدر ان حجم الفجوة في العلاقات بين أنقرة وواشنطن مرشح للتقلص كون الحاجات والمصالح المشتركة التي ما زالت تجمع الدولتين أقله في ما يتصل بالازمة السورية أكبر من أن تفرقها محاولات تركية لاعادة وصل ما انقطع مع روسيا، خصوصا ان عنصر الثقة بين الرئيسين فلاديمير بوتين واردوغان غير مكتملة عناصره والتجارب السابقة غير مشجعة، اضافة الى ادراك الاميركيين مدى التهديد الوجودي الذي يشكله «داعش» على تركيا بما يجعلها «تفكر مرتين» قبل الاقدام على اي خطوة قد تؤدي الى نسف العلاقات مع واشنطن، ذلك ان التنظيم ينتشر على حدود تركيا البالغة نحو 900 ميل مع العراق وسوريا، بما يبقي الحاجة التركية إلى الولايات المتحدة قائمة من أجل التصدي بفاعلية للاسد و«داعش» على حدٍّ سواء.
من هنا كان التأكيد الاطلسي على ان عضوية تركيا ليست قابلة للنقاش، ذلك ان اردوغان يدرك تماما تقاطع المصالح الروسية التركية ،اقتصاديا ونفطيا، الا انه يعرف في المقابل جيدا، ان كسب حلفاء واشنطن الى جانبه وتعزيز علاقاته مع اسرائيل ،مهم جدا في سياق تثبيت نفوذه في المنطقة، ما يشي بان المشهد الظاهري في غير محله، اذ يوظفه اردوغان لتثبيت قدميه في الميدان الاقليمي وفرض نفسه لاعباً اساسيا «تلهث» خلفه الدول الكبرى.
عليه فان «الستاتيكو» الضابط للاوضاع الداخلية مرشح «للانفخات» دون ان ينهار كليا، تمهيدا «لتنفيس» الاحتقان الذي سيخلفه الحسم المنتظر على اكثر من جبهة في المنطقة، في صراع دولي هويته اقليمية، يعيد رسم حدوده كل «من الدب والنسر» وفقا لتصورات «سلام بارد» جديد يدركان وحدهما مداه.