Site icon IMLebanon

السعودية وإيران… ولبنان!

 

 

كان معبّراً جداً أن ينظم السفير السعودي في لبنان وليد البخاري معرض “الذاكرة الديبلوماسية السعودية – اللبنانية”، فهذا السفير المثقف والدمث الأخلاق يعمل جاهداً على إظهار وجه المملكة الحضاري، إضافة إلى الإصرار على اعتماد الديبلوماسية الناعمة حيال الملفات اللبنانية.

 

وإذا كان المعرض بحد ذاته كشف جزءاً من التاريخ والإرث الكبيرين للعلاقات اللبنانية – السعودية على مرّ العقود الماضية، فإن ما يجب التوقف عنده باهتمام أكبر هو النظرة إلى مستقبل الديبلوماسية السعودية حيال لبنان واستراتيجيتها.

 

الثابت أننا في “وطن الأرز” لا نزال نعيش “حقبة الطائف”، أو على الأقل ظاهرياً نعيش تحت مفاعيل “دستور الطائف”، ولو أن هذا الدستور يتعرّض لخروقات كبرى في التطبيق منذ ولادته، يوماً على يد الاحتلال السوري، ويوماً آخر تحت مفاعيل التمدد الإيراني عبر “حزب الله”، ودائماً وأبداً بفعل صراعات المجموعات الطائفية التي تسعى دائماً إلى تحقيق “انقلاب” على “الطائف” كلما ظنّت أن الفرصة سانحة لتحقيق مكاسب أكبر.

 

لكن المطلوب اليوم من محور الاعتدال الاقليمي بات أبعد من “إنقاذ الطائف”، والذي شكلت السعودية القابلة القانونية لولادته بالتعاون مع الأميركيين في العام 1989. المطلوب اليوم يصل إلى حدود السعي لإنقاذ الصيغة اللبنانية التي باتت مهددة بفعل وضع اليد الإيرانية، والتي عبّر عنها قبل أشهر قادة من الحرس الثوري الإيراني فاخروا بأنهم يسيطرون على 4 عواصم عربية بينها بيروت، وأيضاً بفعل التوازنات التي أنتجتها التسويات السياسية وتمخضت عنها الانتخابات النيابية الأخيرة.

 

المطلوب اليوم من محور الاعتدال ادراك أن لبنان ليس ساحة جانبية للصراع الإقليمي، بل هو إحدى أبرز الساحات الأساسية، لأن التوازن في مواجهة إيران لا يمكن أن يبدأ إلا عبر لبنان الذي يشكل القاعدة الأساسية لـ”حزب الله”، أبرز ذراع للحرس الثوري الإيراني العامل في خدمة منطق “تصدير الثورة”.

 

إن اختلال التوازن في المنطقة وقع يوم ظن البعض أن لبنان يشكل ساحة مواجهة ثانوية في المعركة الإقليمية. والمواجهة هنا لا تعني أبداً ولا حصراً مواجهة عسكرية، بل تعني أولاً مواجهة ديبلوماسية وسياسية واقتصادية وإعلامية ومؤسساتية. ولذلك فإن عودة دول الاعتدال إلى المواجهة الفعلية إنطلاقاً من لبنان تشكل نقطة الإنطلاق الفعلية لاستعادة التوازن الإقليمي المترنّح حالياً، والفرصة تبدو سانحة.

 

معرض “الذاكرة الديبلوماسية السعودية – اللبنانية” مفيد جداً للاتعاظ من العبر التاريخية، لكن الأهم يبقى في استعادة النبض المطلوب لهذه العلاقات عبر عودة فاعلة وحاسمة لمحور الاعتدال إلى لبنان، لأن السماح بسقوط لبنان في المحور الإيراني كما هو حاصل حالياً لن تبقى نتائجه محصورة في لبنان بل ستعمّ المنطقة، تماماً كما أن الانقلاب على “ثورة الأرز” اعتباراً من الـ 2009 سهّل إجهاض الثورة السورية لاحقاً وأراح “حزب الله” في الداخل اللبناني.