لا تزال ردود الفعل والردود المضادة على المواقف تأخذ حيّزاً مهمّاً من متابعة السياسيين والشعب، إن لجهة ترشيح رئيس حزب القوّات اللبنانية الدكتور سمير جعجع لرئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون، أو لجهة المواقف التي أطلقها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل خلال المؤتمرات العربية الأخيرة والتي التزم خلالها بسياسة «النأي بالنفس» التي تلتزمها حكومة الوحدة الوطنية. إلاّ أنّ أياً من هذه الردود لن تؤدّي، على ما تؤكّد أوساط ديبلوماسية مطلعة، الى حلّ مسألة انتخاب الرئيس قريباً.
فالتفهّم العربي لمواقف لبنان المحقّة والمفسّرة في الإجتماعات العربية الأخيرة التي عُقدت بهدف «إدانة» إيران لتدخّلها في الشؤون الداخلية السعودية، جعل الأمور تمرّ بكلّ طبيعية لأنّ لبنان وحكومته ومواقفه تنطلق من ميثاق الجامعة العربية، على ما أكّدت، ومن البيان الوزاري ومن سياسة حكومة الوحدة الوطنية. وهذه المواقف تحفظ الوحدة الوطنية في لبنان، إلاّ أنّ ثمّة من في الداخل يريد الإيحاء بأنّ الوزير باسيل يُعكّر العلاقات مع الدول العربية، ولكن ليس هذا هو الواقع.
وتنفي الأوساط نفسها أن تكون السعودية قد أقفلت الباب في وجه جعجع لأنّه دعم ترشيح عون، أو أنّها تودّ سحب سفير لبنان من المملكة.
في الوقت نفسه، تشرح الاوساط أنّ أي دولة لا تتخذ مواقف إعتباطية، على ما يجري الترويج له، لا سيما إذا ما احترمت الدولة التي تتخذ أي قرار في جامعة الدول العربية أو في أي مؤتمر عربي آخر، ميثاق الجامعة وانطلقت منه لتعبّر عن موقفها، ولهذا يجب وضع حدّ نهائي للأقاويل التي تريد ضرب أعمال اللبنانيين ورجال الأعمال والاقتصاديين في بعض دول الخليج.
وفي رأي الاوساط إنّ الاتفاق النووي الإيراني- الغربي لا بدّ وأن يؤدّي الى إصلاح العلاقة المتوتّرة بين السعودية وإيران بعد حادثة إعدام الشيخ نمر باقر النمر واعتراض طهران على القرار السعودي وتوقيته. فالولايات المتحدة أعادت إيران الى الخارطة الدولية ورفعت عنها العقوبات الاقتصادية ولن تعود الى الوراء. كذلك أبدت إيران انفتاحها على العالم الغربي من خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الى كلّ من إيطاليا حيث اجتمع بنظيره الإيطالي وبالبابا فرنسيس بعد انقطاع 17 عاماً وشارك في منتدى إقتصادي، وفرنسا حيث التقى كبار المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس فرانسوا هولاند. كما أنّ الدول الأوروبية بدأت بدورها الإستفادة من الاقتصاد الإيراني لا سيما بعد رفع العقوبات عن إيران.
فالتبدّل الاستثنائي، الغربي- الأوروبي تجاه إيران، لا بدّ وأن يترافق مع تغيير بالموقف السعودي تجاهها تؤكد الاوساط لملاقاة هذه الدول التي تحاول الاستفادة من قدرات هذه الدولة الكبيرة والغنية، خصوصاً بعد أن تيقّنت أنّها أخطأت عندما أبعدتها عن الساحة الدولية لسنوات طويلة، وفرضت عليها العقوبات، وجعلتها خارج الاتفاقات والمشاريع الدولية. ولهذا فلا حاجة للبنان لأن يقف مع دولة ضدّ أخرى، بل أن يوازي بين جميع الدول، على ما تفعل الدول الغربية، ليربح وحدته الداخلية ويبعد عن الانقسامات.
وفي ما يتعلّق بما يتمّ انتقاده أنّ سياسة «النأي بالنفس» يجب أن تُترجم بتراجع «حزب الله» عن مساندة الجيش السوري في معاركه ضدّ الإرهاب، فتعلّق الأوساط نفسها بالقول إنّ ما يقوم به الحزب ليس سياسة الحكومة، وهي لا تُشجّعه على القيام بذلك، وهو كحزب عسكري لا يُقحم الحكومة في قراراته. ولهذا فقرارات الحكومة شيء، وما يقرّره «حزب الله» شيء آخر، ولا يجب الخلط بين الاثنين.
وإذ تتجه إيران الى مرحلة جديدة من السلام والإزدهار، رغم معارضة إسرائيل وبعض الدول العربية على ذلك، فإنّ هذا الأمر لا بدّ وأن يسري أيضاً على دول المنطقة، في حال لم تتمّ معارضة مشاريعها وخططها المستقبلية خوفاً من سيطرتها على الشرق الأوسط. فهدف إيران ليس السيطرة بقدر ما هو العودة الى الساحة الدولية والإفادة من اقتصادها وتطويره والقيام بمشاريع إستثمارية متبادلة في جميع أنحاء العالم.
وتجد الأوساط نفسها أنّه على لبنان الاستمرار أيضاً في سياسة الانفتاح التي يعتمدها على مرّ التاريخ، وألاّ يحدّ نفسه في إطار واحد، لا سيما في هذه المرحلة بالذات التي تُعقد فيها الاتفاقات وربما التسويات الإقليمية والدولية لكي لا تأتي على حسابه، بل لكي تحفظ مصلحته وأمنه وسلامة شعبه من كلّ التحديات والمخاطر المحيطة به.
أمّا الملف الرئاسي، فلا يمكن لإيران أن تؤثّر فيه بمفردها، ولا السعودية بمفردها، على ما شدّدت الأوساط ذاتها، وإن جرى خلط الأوراق السياسية التي تبعد كثيراً عن المنطق، وعن تلاقي الخطوط السياسية، وإن كانتا تطالبان اللبنانيين أن ينتخبوا رئيس جمهوريتهم بأنفسهم. من هنا، فالمطلوب التلاقي السعودي- الإيراني من أجل مصلحة هذين البلدين أيضاً، ولانعكاس هذا التقارب على الوضع الداخلي اللبناني وسائر الاستحقاقات فيه.