Site icon IMLebanon

السعودية تضغط لتوطين السنة لتواجه الشيعة بعامل الاغلبية

لا يُخفى على أحد بأنّ ما يشهده لبنان ودول المنطقة اليوم من معارك وتوتّرات أمنية يعود الى الصراع السنّي- الشيعي، بهدف سيطرة كلّ منهما على أكبر عدد ممكن من دول منطقة الشرق الأوسط، على أنّ الدعم الذي يحصل عليه كلّ فريق «لتطبيق مشروعه» يأتيه من الدولتين القائمتين على هذه الطائفة أو تلك (السعودية وإيران).

ولاحظ المراقبون السياسيون بأنّه بعد التوقيع على الإتفاق النووي بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد (والتي لا تدخل من ضمنها السعودية بطبيعة الحال) فرمل هذا الصراع سرعته، وخفّت وتيرته، لا سيما في جرود عرسال إذ لم يعلن «حزب الله» عن حسم المعركة هناك، فيما كانت التوقّعات تشير الى مفاجأة سارّة سينقلها للبنانيين بمناسبة عيد الفطر. لكن هذه التوقّعات لم تصحّ، لأنّ العيد تزامن مع جلسات التوقيع النهائي على الاتفاق النووي. واللافت أنّ حدّة المعركة انتقلّت الى السياسة وخصوصاً الى مجلس الوزراء علماً أنّها ليست، على ما يبدو للعيان، بين السنّة والشيعة بل بين المسيحيين والسنّة، في حين أنّ جميع اللقاءات التي جرت بين «حزب الله» و«تيّار المستقبل» لم تؤدّ الى أي ورقة، أو اتفاق بإمكانه أن يحلّ «حالات عدم الاتفاق» التي تشهدها الحكومة في الفترة الأخيرة.

وتقول أوساط سياسية بأنّه بسبب تشدّد وزراء «التيّار الوطني الحرّ» وتشبّثهم بإقرار بند التعيينات الأمنية قبل أي بنود أخرى، ثمّ مطالبته بالتوافق على بند الآلية، لجأ الفريق الثاني الى «محاربتهم» ببند النفايات «كونه يهزّ الشارع أكثر من أي ملف آخر» لا سيما بعد وصول الروائح الكريهة وما ينتج عنها من بعوض وحشرات الى منازل اللبنانيين كافة ومن ضمنهم السياسيون.

فالصراع الفعلي ليس قائماً على أي من البندين ستقوم الحكومة بتمريره أولاً، بقدر ما يتمثّل في قدرة كلّ من الفريقين «على تجليس كلامه» داخل مجلس الوزراء. فمعركة شدّ الحبال، هي ظاهرياً بين المسيحيين والسنّة، غير أنّها فعلياً بين الشيعة والسنّة ويحاول المسيحيون وسط هذا النزاع كسب بعض حقوقهم التي تُهدر من هنا وهناك.

وما يخشاه البعض ويسمّيه «التمدّد الشيعي في الشرق الأوسط»، عاد ليصبح بعد توقيع الإتفاق النووي هاجس المملكة العربية السعودية التي تريد بسط نفوذ الطائفة السنيّة على دول عدّة في المنطقة مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان وسواها. غير أنّها، بحسب الأوساط تتروّى لتلمس ما ستؤول اليه المرحلة المقبلة من تاريخ المنطقة والتي دخلتها فور إتمام التوقيع في 14 تموز الجاري.

ولعلّ ما مرّت وتمرّ به دول المنطقة جرّاء الثورات العربية والتي أدّت الى تفكّك بعض الدول والى ضعف الأخرى، جعل كلّ من التيّارين يحاول بسط نفوذه والتوسّع بشكل أو بآخر، عن طريق استخدام الوسائل المشروعة حيناً وغير المشروعة أحياناً. علماً أنّه ليس من «توازن قوى» بين الطائفتين، فالإحصاءات (بحسب أحد التقارير الذي يعود الى العام 2011) تشير الى أنّ الشيعة يمثّلون شريحة محدودة من الإسلام في المنطقة، في حين يصل السنّة الى نحو ثلاثة أرباع المسلمين. ويتركّز الشيعة في منطقة الشرق الأوسط بحسب الجدول في الدول الآتية: إيران (من 90 الى 95%)، البحرين (من 65 الى 75%)، أذربيجان (من 65 الى 75%)، العراق (من 65 الى 70%)، لبنان (من 40 الى 50%)، اليمن (من 35 الى 40%)، الكويت (من 20 الى 25%)، سوريا (من 15 الى 20 %)، أفغانستان (من 10 الى 15%)، باكستان (من 10 الى 15%)، المملكة العربية السعودية (من 10 الى 15%)، تركيا (من 10 الى 15%)، سلطنة عمان (من 5 الى 10 %)، الإمارات العربية المتحدة (10%)، وقطر (10%). وتظهر هذه الأرقام أنّ ثمّة أربع دول فحسب ذات غالبية شيعية كبيرة هي إيران والبحرين وأذربيجان والعراق، بينما توجد هذه الطائفة بنسب متفاوتة في الدول الأخرى. علماً أنّ الثورات عمدت الى تغييرها والى استحداث ديموغرافيا جديدة في عدد من هذه الدول التي تُشكّل خطراً على الطائفة السنية، لا سيما في تلك التي تكاد تصل فيها النسبة الى الخمسين في المئة.

ووسط الصراع السنّي- الشيعي، يقف لبنان حائراً ممّا يحصل على أرضه من محاولات توطين بعض «الأجانب» من فلسطينيين وسوريين وعراقيين على أساس طائفي. فالسعودية التي تحاول تقليص عدد الشيعة في بعض الدول لكي لا يصبحوا غالبية فيها، ويتمدّدوا ويتكاثروا أكثر منها، وتوافقت مع الجهاديين من «داعش» و«جبهة النصرة» وسواهما لاحتلال أجزاء منها، على غرار ما حصل في العراق، وسوريا، تحاول في لبنان، جعل السنّة يسيطرون على الحكم، مستغلّة بذلك الفراغ أو الشغور الرئاسي الذي يبقي البلاد من دون رئيس مسيحي ماروني للجمهورية منذ أكثر من 14 شهراً. وفي الوقت نفسه، تضغط ليتمّ «توطين» السنّة من أي بلد أتوا الى لبنان (فلسطين، سوريا، العراق وغير ذلك) لكي تواجه الشيعة بعامل الأغلبية.

غير أنّ الاتفاق النووي، أوقف هذه المعادلة، على الأقلّ حالياً، بحسب الأوساط السياسية نفسها، والدليل وقف المعارك في جرود عرسال اللبنانية، وفي القلمون السورية ومناطق عدّة هناك. وقد بدأ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد خليفة جولة مفاوضات مع الدول العربية في المنطقة، لا بدّ وأن تتوّج بزيارة المملكة السعودية لتهدئة هواجس كلّ من الفريقين لناحية التوسّع والسيطرة على دول الشرق.

وتؤكّد بأنّ التنظيمات التكفيرية التي تمثّل تهديداً مباشراً لإيران وحلفائها من الشيعة في المنطقة، لا سيما «حزب الله» في لبنان، أعطت فرصة كبيرة لطهران بتوقيع الإتفاق مع الغرب، كما أنّها أضعفت الطائفة السنية لجهة ما قامت به من أعمال متطرّفة باسم الدين الإسلامي السنّي، الأمر الذي حوّل الرأي العام العالمي لصالح إيران.

والمهم اليوم هو أن يحصل الإتفاق بين إيران والسعودية، لينعكس الأمر إيجاباً على حلفائهما في لبنان، ولكي تُحلّ الخلافات القائمة داخل الحكومة «السلامية»، على أمل أن تتفق الأطراف جميعاً على انتخاب رئيس الجمهورية المنتظر