IMLebanon

السعودية جاهزة للمساعدة ولكن «هذه شروطي»

 

يعتقد البعض أنّ انعكاسات الاتفاق السعودي- الإيراني ستصل حتماً إلى لبنان. ولذلك، إنّ تسوية الملف اللبناني باتت مسألة وقت. فالتسويات إذا انطلقت من اليمن في نيسان الجاري، كما هو متوقع، يمكن أن تصل إلى لبنان في أيار أو حزيران المقبلين. فهل هذا التقدير واقعي؟

أدارت التيارات والأحزاب المحلية «انتيناتها» في الاتجاهات العربية والدولية لمعرفة:

1- هل هناك فعلاً ملامح تسوية قريبة في لبنان، أم إنّ الانفراجات ستقتصر على أزمات إقليمية دون أخرى؟

 

2- إذا كانت هناك تسوية تقوم القوى الإقليمية والدولية بإعدادها للبنان، فهل ستحفظ أمكنة للحلفاء المحليين، أم ستجري «التضحية» ببعضهم؟

 

وللإيضاح، يروّج حلفاء إيران فرضية تقول: إذا كانت التسوية في اليمن ستأتي لمصلحة السعودية، فإنّها ستكون معكوسة في لبنان، أي ستأتي لمصلحة إيران وحلفائها. وفي تقديرهم أنّ المملكة، عندما تأمَنُ جانبها في اليمن، ستكون مستعدة لتقديم التنازلات في مناطق أخرى، ومنها لبنان.

 

لكن السعوديين سارعوا إلى دحض هذه الفرضية. وسعى سفيرهم في لبنان وليد البخاري إلى تقديم الإيضاحات اللازمة للحلفاء. ويوحي الموقف السعودي بأنّه ثابت وغير قابل للتبدل، في ما يخصّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

 

تصرُّ المملكة على أن تكون السلطة في لبنان، من رئيس الجمهورية إلى الحكومة فالمؤسسات، متوازنة وغير معادية لها، فلا تسمح بأعمال تهدّد استقرار السعودية والخليج العربي عموماً، على المستويات الاجتماعية والسياسية والأمنية. وتعتبر المملكة أنّ تحقيق هذا الشرط حيوي جداً لتعيد إحياء مبادراتها المالية تجاه لبنان، ومن دونه هي لن تبادر إطلاقاً لمساعدة هذا البلد، مهما ساءت أحواله المالية والاقتصادية.

 

ويبدو السعوديون راغبين في تأكيد أنّهم يولون أهمية خاصة بضمان الخاصرة اليمنية، لكنهم في المقابل لا يتنازلون في المسائل الإقليمية الأخرى إلى حدّ انقلاب التوازن لمصلحة إيران. ويعني ذلك في لبنان أحد خيارين: إما أن يكون رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كلاهما في الخانة «الوسطية» فيؤمّنان معاً هذا التوازن في السلطة، وإما أن ينتمي رئيس الجمهورية إلى صفّ معين، مقابل أن ينتمي رئيس الحكومة إلى الصف مقابل، فيتحقق التوازن بين القوتين.

 

ويجهد رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية للإيحاء بأنّه الأقدر على ضمان هذا التوازن. ويقول مؤيّدوه: إذا اقتضى التوازن أن يكون رئيس الجمهورية من فريق ورئيس الحكومة من فريق آخر، فمنطقي أن يرتاح السعوديون لرئيس حكومةٍ أقرب إلى 14 آذار، مع ضمانات لإيران وحلفائها، مقابل رئيس للجمهوريةِ أقرب إلى 8 آذار، مع ضمانات للسعودية وحلفائها.

 

طبعاً، لبعض حلفاء المملكة منطق مختلف، إذ يقولون إنّ الكلام على «ضمانات» لا يمكن ترجمته واقعياً. ولن تكون تجربة أي رئيس للجمهورية حليف لإيران و»حزب الله» مختلفة عن تجربة الرئيس ميشال عون الذي تعهّد بمراعاة التوازن خلال ممارسته الحكم، لكنه التزم نهج حلفائه منذ اللحظة الأولى، وفي شكل قاطع، ولم يبذل أي جهد جدّي لتصويب الخلل مع المملكة العربية السعودية. ولذلك، يطالب هؤلاء بأن تكون شخصية الرئيس وتاريخه السياسي هما ضمانة التوازن.

 

ويراهن بعض مؤيّدي فرنجية على ليونة في موقف الرياض تجاهه، خصوصاً مع تَقدُّم الخطى في مسار العلاقات السعودية- السورية. ويرى هؤلاء أنّ تطبيع السعوديين علاقاتهم مع الرئيس السوري بشار الأسد سيجعل فرنجية في وضعية أفضل.

 

وإذ يعتقد البعض أنّ قمة الرياض العربية، التي سيُدعى الأسد إلى المشاركة فيها، ستشهد إنضاج التسوية الموضوعة حالياً «على النار»، يبدو آخرون أكثر تفاؤلاً، إذ لا يستبعدون أن تكون الفترة الفاصلة عن موعد القمة، في 19 أيار، كافية لإنتاج تسوية لبنانية عاجلة وانتخاب رئيس.

 

ويستدل هؤلاء على الاستعجال من حال الاستنفار داخل «مجموعة باريس» لإنتاج تسوية، والمعلومات التي رشحت عن توسيع هذه المجموعة لتشمل الجانب الإيراني أيضاً، وعن مساعٍ لعقد مؤتمر حوار لبناني- لبناني، برعاية عربية ودولية، في عاصمة عربية قد تكون القاهرة أو الرياض.

 

الواضح أنّ لبنان قادر على الاستفادة من إبداء المملكة العربية السعودية استعدادها للدعم السياسي والمالي، شرط أن يستجيب لمتطلبات هذا الدعم، ويمكن اختصارها بالآتي: وقف استخدام لبنان منصّة لزعزعة استقرار المملكة والخليج العربي عموماً.

 

إذا التزم اللبنانيون هذا الشرط، وسهّلوا التسوية المتوازنة، فسيكون في إمكانهم الاستفادة من إيجابيات التوافق السعودي- الإيراني وإنقاذ ما بقي واقفاً من الهيكل. ولكن، سيكون خطأ فادحاً أن يضيع اللبنانيون هذه الفرصة المغطاة إقليمياً ودولياً، كما أضاعوا فرصة توقيع اتفاق الترسيم مع إسرائيل، برعاية أميركية، في تشرين الأول الفائت.

 

يقول أحد الخبراء: أزمات الشرق الأوسط شبيهة بالآبار الارتوازية، حيث لا يمكن أن يرتفع مستوى المياه أو ينخفض في بئرٍ واحدة دون سواها. وفي هذا المعنى، مناخ التسويات التي أرساها اتفاق بكين سيخيّم على كامل أزمات الشرق الأوسط. فإذا نجحت التسوية في اليمن، ستصل إلى لبنان بالتأكيد. ولكن، كم سيستغرق وصول التسوية من الخليج، عبر العراق وسوريا، إلى لبنان؟