IMLebanon

الحركة السعودية بين السيسي وأردوغان إنعاش آمال التوازن مقابل التمدّد الإيراني

احتلت استقبالات المملكة العربية السعودية في الأيام القليلة الماضية مع الزيارتين اللتين قام بهما كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب اردوغان واجهة التطورات السياسية في المنطقة في توقيت متزامن مع الترقب الشديد الذي اثاره ما بدا ان المملكة بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز تتجه الى إعطاء اشارة الانطلاق نحوه برسم معالم توجه جديد في السياسة الخارجية ازاء الملفات والمسائل الشائكة التي تواجهها على نحو مباشر والتي تشكل في الوقت نفسه تحديات خطيرة على المنطقة وعلى مجموعة الدول الخليجية في شكل خاص والاسلامية السنية عموما. فهذا الامر يطمع به مراقبون كثر في المنطقة على اساس تمنيات في الاصل انه بعد اعادة ترتيب البيت الداخلي السعودي على ضوء انتقال السلطة في المملكة، ثمة اقتناع بضرورة المبادرة الى محاولة ارساء توازن والخروج من حال انعدام الوزن التي تسببت بها الاضطرابات في الدول المحيطة من العراق الى سوريا وليبيا واليمن اضافة الى المشكلات القائمة في ضوء تضارب المصالح والحسابات السياسية، ولو ان الامور اكثر تعقيداً في الواقع.

لم تسفر زيارتا الرئيسين المصري والتركي عن لقاء مصالحة بينهما، علماً ان التصريحات التي ادلى بها كل منهما قبيل وصوله الى الرياض لم توح باحتمالات من هذا النوع، اذ اكد كل منهما وجهة نظره التي تضعه على طرف نقيض من وجهة نظر الآخر. لكن بقيت الانظار معلقة على مثل هذا الاحتمال وان يكن المهم بالنسبة الى مراقبين كثيرين هو ان النقطة المحور التي شكّلتها المملكة السعودية ترفع الآمال بان الدول المعنية قد تكون مقبلة على ان تخرج من دائرة رد الفعل الى المبادرة والفعل وفق عمل تنسيقي في ما بينها يدفع بالاجندات الخاصة لكل دولة الى الوراء بعض الشيء من اجل وضع مواجهة المخاطر التي تتهدد هذه الدول مجتمعة في مقدمة الاولويات. ولا تملك اي دولة اخرى غير المملكة القدرة على القيام بذلك مع استقبال الرياض زعماء دول الخليج اخيرا وملك الاردن واجراء المصالحة مع قطر اضافة الى الإعداد لاستقبال الرئيس الباكستاني نواز شريف هذا الاسبوع ايضا، استنادا الى ان للأمر الأخير دلالته من حيث ما يتردد عن اعتماد المملكة على باكستان من اجل تزويدها بما يعزز القدرة النووية لدى المملكة. فمع ان لكل من مصر وتركيا اشكاليات خاصة مع المملكة في ما خص مسائل خلافية عدة بحيث ان من شأن زيارتي السيسي واردوغان في الدرجة الاولى ترتيب العلاقات الثنائية لكل منها مع السعودية، الا ان الامر لا يخلو من ابعاد وانعكاسات في اتجاهات عدة. وهو ما يقرأه المراقبون على انها مؤشرات رمزية مهمة في ظل جملة عوامل قد يكون ابرزها اولا الاتجاه الى اتفاق غربي مع طهران على ملفها النووي يبقي على الكثير من قدرات هذه الاخيرة ولو مضبوطة تحت سقوف محددة. ويرافق ذلك الاندفاع الايراني في اتجاه تعميم امتداد التدخل الايراني الى دول المنطقة والتي وصلت اخيرا الى اليمن والتي يعتبر المراقبون ان التطورات فيها قد تكون طفحت الكأس السعودية لجهة عدم امكان السكوت او اعتماد سياسة الصمت او رد الفعل فحسب على هذه التطورات.

يقول مطلعون ان الاهتمام بالحركة السعودية الاستثنائية يؤمل منها ان تجيب على عوامل قلق مستشرية على نطاق سياسي وشعبي، على حد سواء. وهذه العوامل تبدأ من الذي تتسبب به ايران في المنطقة ومن ضرورة اظهار المملكة امتلاك القدرة والاستعداد للم شمل الدول الاسلامية السنية من اجل وضع حد لمساعي التمدد الايراني الذي يستفز دول المنطقة ولو ان في المواقف الايرانية الكثير من البروباغندا الدعائية انما تروج لانتصارات ومكاسب تعني ان هناك تراجعات وخسائر في المقابل. كما يؤمل منها الاعداد لموقف موحد يمكن ان يشكّل ثقلا في مواجهة ما يثيره اتفاق مع طهران حول ملفها النووي مما يمكن ان تستفيد منه هذه الاخيرة من اجل تثبيت الاوراق التي تقول انها باتت في حوزتها في المنطقة. اذ انه، في رأي المراقبين المتابعين، فان الضجيج الذي يثيره رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ما يصفه بانه اتفاق سيئ حول الملف النووي الايراني وصولا الى خلافات معلنة وقوية مع الادارة الاميركية حول الموضوع، ولو انه قد يكون لدى نتنياهو اسباب انتخابية، فان ذلك يفترض ان يربك دول المنطقة من حيث انها من حيث المبدأ تقلق بقوة اكبر من اتفاق “سيئ” مع طهران قد يطلق امامها الفرص اكثر لتوسيع نفوذها في المنطقة فيما توجه ايران تهديدات مباشرة الى هذه الدول عبر التدخل في نسيجها الاجتماعي والتحريض المذهبي. لكن هذه الدول يؤخذ عليها انها لا تتحرك كثيرا للدفاع عن مصالحها علما انها متضررة اكثر بكثير من اسرائيل على هذا الصعيد ويساورها القلق بقوة ايضا.

ويطمع كثر في قيادة المملكة تحالفا للدول السنية المعتدلة من اجل المساهمة في فرض حلول في الدول المضطربة التي باتت تنعكس تطوراتها سلبا في كل الاتجاهات، خصوصا على صعيد تنامي الارهاب وتفشّيه انطلاقا من رؤية متقاربة للامور على الاقل. يضاف الى ذلك ما يخشاه كثر من ان يتم تعميم الانطباع بأن الخيار المتداول فيه في المنطقة هو بين ايران من جهة وتنظيم الدولة الاسلامية من جهة اخرى. فهل يجب أن تقلق ايران؟ البعض يعتقد ذلك.