Site icon IMLebanon

السعودية: أُمراء باللباس العسكري

لم تتحرّك المملكة العربية السعودية عسكرياً إلّا بعد أن كادت إيران تحاصرها من الشرق والجنوب، من العراق واليمن، وهذا يعني أنّ الخطوة الآتية ستكون داخل السعودية نفسها في حال نجاح إيران.

هذا التأخّر عن ملاقاة التوسع الايراني كلّف السعودية كثيراً من الاثمان حيث استنزفت صورتها كدولة اقليمية فاعلة، وأحدث غيابها ملعباً لثلاث قوى اقليمية كبيرة هي ايران وتركيا واسرائيل وجدت كلٌ منها المجال مفتوحاً في العالم العربي للتوسع وفرض النفوذ وتجميع وسائل القوة، وسط غياب عربي واضح ومديد، في ظلّ انشغال دول عربية كبرى كمصر بهمومها الداخلية، وكدول المغرب العربي التي لم تكن يوماً في صلب المعادلة.

مع بداية تغلغل النفوذ الايراني في المنطقة الذي استُهل بعد العام 2003 بالسيطرة على العراق، واستُكمل باغتيال رفيق الحريري في لبنان، وببناء قاعدة نفوذ في اليمن عبر الحوثيين، بدت المملكة في موقع دفاعي، حيث حاولت استيعاب هذا النفوذ مرة بالسعي لفصل النظام السوري عن ايران، وقد قام الملك عبدالله بذلك في قمة الكويت، ولم تنجح المحاولة، وكلفت اثماناً قاسية دفع الرئيس سعد الحريري جزءاً منها بعد زيارته لدمشق.

لم تُحدث الثورة السورية أيَّ تغيير في السياسة السعودية التي استمرت على تحفّظها، وفي حين كانت ايران تتدخل في سوريا الى جانب النظام بكلّ ما لديها من طاقات، اكتفت السعودية بدعم خجول للمعارضة السورية، ولم تترجم ذلك الى مبادرة قادرة على تأمين توازن في مواجهة ايران التي استطاعت عبر هذا الدعم تمكين النظام من الصمود، في اعتباره أحد ابرز مواطئ النفوذ الايراني في العالم العربي.

كانت الاجواء الداخلية في السعودية توحي قبل وفاة الملك عبدالله، بوجود صعوبة في الانتقال الى تسليم السلطة الى الامراء الشباب المستعدّين لارتداء اللباس العسكري، أيْ الى الجيل الثاني والثالث، وتبيّن بعد تسلم الملك سلمان أنّ هذه العملية ممكنة، حيث تسلم الرجل القوي محمد بن نايف منصب ولي العهد، وتسلم إبن الملك سلمان الاقرب اليه من بين جميع القريبين، منصب ولي ولي العهد،

وعادت الرياض مركزاً اقليمياً محورياً، يغصّ مطارها بالقادة الكبار من وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي شارك في قمة مجلس التعاون الخليجي، في اشارة واضحة الى بناء دور خليجي وعربي بقيادة سعودية متحرّر من الحلفاء (الاميركيين) وقادر على مواجهة الخصوم بالقوة الذاتية، هذه القوة التي تصرفت منفردة في اليمن متجاوزة الولايات المتحدة الاميركية، وهو سلوك في السياسة السعودية لم يسجَّل منذ ايام الملك فيصل.

تسلُّم الجيل الثالث للسلطة في السعودية، تمثل في تشكيل مجلس وزراء غالبية وزرائه ينتمون الى فئات عمرية فتية، كما تمثل في إطلاق يد الجيش السعودي المصنّف أحد ابرز الجيوش الرشيقة في العالم، لجهة السلاح الذي يملكه والذي ينتمي الى أحدث الاجيال، ولجهة الكفايات العالية لقادته الذين لم يجرّبوا قبل اليوم في أيّ معركة فعلية، باستثناء مشاركتهم النسبية في حرب تحرير الكويت.

أما في السياسة الخارجية، فإنّ تقاعد الامير سعود الفيصل، وتسليم السياسة الخارجية لشخصية ديبلوماسية لا تنتمي الى العائلة السعودية، يضفي على هذه «النفضة» بُعداً جديداً عنوانه الاستفادة من الطاقات الشابة وتكريس مبدأ التجديد، تبعاً للمهمات والمسؤوليات التي ستفرضها المواجهة القائمة في المنطقة، والتي سيتّسع ميدانها الى سوريا والعراق، في اعتبارها مواجهة مع النفوذ الايراني، الذي يسعى الى تكريس نجاحاته في هذه الدول، وهو ما يعني إن حصل، محاصرة السعودية، التي وجدت أنها أمام أزمة وجود، تقتضي دفن المدرسة التقليدية القديمة، ومحاكاة عصر المواجهة هذا بأدوات القوة، قبل فوات الأوان.