العملية السعودية ترسم استراتيجية ردع استباقاً للاتّفاق النووي رسالة القوة لوقف الاختراقات الإيرانية هل تستتبع تداعيات ؟
ادخلت العملية العسكرية التي قادتها المملكة العربية السعودية لمصلحة السلطة الشرعية في اليمن وضد تقدم الحوثيين للسعي الى استكمال السيطرة على مدن اليمن، المنطقة في معادلة سياسية استراتيجية جديدة على وقع جملة رسائل قد يكون ابرزها ما يتعدى اليمن بالذات على رغم اهميته بالنسبة الى السعودية ودول الخليج وعدم السماح بسيطرة ايران على باب المندب ونقاط استراتيجية اضافية على البحر الاحمر. ذلك ان التحرك العسكري من اجل وقف المد الحوثي شكّل الرسالة الاهم حيال السعي الى رسم الحدود بالقوة امام محاولات المد الايراني وعدم السماح بعد الآن بلعب ايران باستقرار دول المنطقة وان الوقت حان للتصدي لاختراق الساحات العربية وان هناك رادعا عربيا اقليميا من الدول الاسلامية الخليجية يتسع ليشمل دولا اخرى في المنطقة وخارجها. والخطوة السعودية العربية كانت منتظرة منذ وقت، ولعلها تأخرت، في تقدير مراقبين كثر، بحيث سمحت لايران بأن تسجل اختراقات عدة في المنطقة فيما عدم مبادرة دول الخليج العربي الى التصدي لذلك ترك المجال لتصاعد القوى السنية المتطرفة من اجل ان تملأ الفراغ في المقابل.
وليس بسيطا التوقيت المرتبط اساسا بتدهور الوضع اليمني الى حدود وقوفه على مشارف الحرب الاهلية في ضوء تصعيد الحوثيين عملياتهم العسكرية ضد المدن اليمنية، وفق تحذيرات الامم المتحدة وعدم امكان مخاطرة السعودية بتصعيد وضع يمكن ان يهدد استقرارها المباشر، لكنه ايضا توقيت يرتبط بقوة، وفق ما لا يمكن مصادر عدة تجاهله بما قبل الموعد المحدد نهاية الشهر الجاري من اجل التوصل الى اتفاق اطار حول الملف النووي الايراني. ففي ظل توقعات قوية ومخاوف من ان تعمد ايران الى توظيف الاتفاق النووي في مزيد من الانخراط في توسيع نفوذها بعد الاتفاق، فان مبادرة المملكة السعودية مع الدول الخليجية ومصر ودول عدة اخرى من شأنه ان يوجه رسالة استباقية الى طهران بأن الامر لن يكون سهلا وان الدول الاسلامية ستكون بالمرصاد لمثل هذا التوسع. وثمة كثير مما ينزع القوة من اوراق ايران او يضيق هامشها. فهناك الاجماع الاسلامي ( السني ) العربي والاقليمي بما يعنيه في ظل التصدي لتقدم الحوثيين. ثم ان التدخل السعودي حظي بدعم دولي كبير وهو حصل بطلب من السلطة الشرعية في اليمن المعترف بها دوليا. فالنظام السوري الذي حماه التدخل الايراني حتى الآن من السقوط احتمى طيلة ثلاثة عقود من سيطرته على لبنان بمنطق ان الشرعية اللبنانية هي التي طلبت تدخله من اجل وقف القتال مطلع حرب السنتين. وحين سيطر تنظيم الدولة الاسلامية على مدن عراقية وكاد يهدد بغداد طلبت الحكومة العراقية الموالية لايران تدخل المجتمع الدولي والولايات المتحدة في شكل خاص،الامر الذي قاد الى تحالف لا يزال معظم الدول المشاركة فيه تمتنع عن مده الى سوريا بذريعة ان السلطات العراقية طلبت التدخل الخارجي لمساعدتها على دحر داعش فيما لم يفعل النظام السوري ذلك. ولم يتوان حلفاء ايران في المنطقة عن ادانة الحملة العسكرية العربية الاقليمية بقيادة المملكة العربية السعودية ضد سيطرة الحوثيين في اليمن، في تجاهل كلي للمنطق الذي اعتمد طويلا من اجل تبرير التدخلات من الجهة المقابلة.
لكن هذا الواقع لا ينفي في المقابل ان ايران التي تلقت ضربة قوية في ردع الحوثيين في اليمن قد لا يتسع صدرها لهزيمة معنوية كبيرة وليس خسارة مادية، باعتبار ان الحروب التي تخوضها ايران انما تقوم بها في ضوء تباهي مسؤوليها بسيطرتهم على اربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت. اذ ترسم التطورات الاخيرة علامات استفهام حول اسلوب او طبيعة الرد الايراني واين سيكون. وهل يحتمل ان تتسع الحرب في اليمن من اجل محاولة اغراق السعودية ودول الخليج في الوحول الداخلية لليمن او تتوسع لكي تشمل ساحات اخرى تشكل في الواقع مواقع صراع اقليمي حاد. فهذا ما سيهتم الجميع بمتابعته في الايام المقبلة.