IMLebanon

السعودية: انكسار الصورة النمطية… والمغامرة المجهولة

 

في 17 شباط 2002، نشر توماس فريدمان، الكاتب الاميركي اليهودي كما يعرّف عن نفسه، مقابلة مطوّلة مع الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز، في جريدة «نيويورك تايمز»، بحضور عادل الجبير مستشار الشؤون الخارجية في الديوان الملكي آنذاك. عبر صحيفة أميركية، أطلق العاهل السعودي أول إشارة جدية، تمهيداً لإعلان المبادرة العربية للسلام من مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بيروت في 27 آذار من العام نفسه.

 

أحدثت المبادرة ضجة كبيرة، لكن تطورات المنطقة جمّدتها وحلّت محلها مشكلات لا تُحصى.

بين 2002 و2017، خمسة عشر عاماً شهدت تغييرات كثيرة: الاحتلال الاميركي للعراق وحروبه المتتالية، حروب لبنان المستمرة، حرب سوريا، صعود تنظيم «داعش»، وخلافات السلطة الفلسطينية مع «حماس» وحواراتهما. بعد 15 عاماً، عاد فريدمان الى الرياض ليجري حديثاً مع وليّ العهد الامير محمد بن سلمان حول «السعودية الجديدة»، في عزّ متغيرات استثنائية في المملكة. المقابلة في حدّ ذاتها واحدة من الخطوات التي يحدد فيها ابن سلمان رؤيته لدور بلاده.

في 25 نيسان 2016 أطلق ابن سلمان «رؤية 2030»، محاطاً بشركات استشارية دولية، وبحملات إعلامية دولية وعربية للتبشير بها. ولم تكد «الرؤية» تنطلق، حتى بدأ العد العكسي لخطوات حاسمة حظيت بتغطية إعلامية دولية، خصوصاً بعد وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض، فتسابقت كبريات وسائل الاعلام لمتابعة الحدث السعودي والتمهيد لما بعده.

ولم يكن عابراً حجم الإحاطة الدولية بمشروع ابن سلمان كما الانقلاب في النظرة الى السعودية. فمنذ 11 ايلول 2001، لم تبقَ وسيلة إعلامية دولية إلا وتحدثت عن دور ما للسعودية في العملية الارهابية. آلاف المقالات عن تمويل جمعيات خيرية للمنفذين والمخططين، و«البيئة الحاضنة» التي خلقت جيلاً متشدداً. وصدرت مئات الكتب والروايات حول السعودية: نشأتها والتيار الوهابي المتشدد فيها، والعلاقات بين أفراد العائلة المالكة، ونموّ الحركات المتشددة وتمويلها، والخلايا الارهابية، ووضع المرأة فيها… لتتحوّل المملكة من دولة نفطية كبرى، وحليفة تقليدية للولايات المتحدة، الى دولة راعية للإرهاب.

 

الانقلاب السعودي

 

ولم يكن سهلاً على السعودية كسر هذه الصورة النمطية في وسائل الاعلام حتى الى ما قبل سنة ونصف سنة من الآن. فمنذذاك، بدأ الاعلام الدولي يتعامل مع «سعودية جديدة». انتهى عهد باراك أوباما، الذي لم يكن على ودّ مع النظام السعودي، وحلّ محله ترامب. جاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وحلت تيريزا ماي في «10 داونينغ ستريت»، وبدأت الرياض تشهد تبدلاً في علاقاتها الدولية. وعملت لحالة جديدة بمشاركتها في التحالفات الدولية ضد الارهاب و«داعش»، في وقت كانت فيه مفاعيل الحروب العراقية والسورية واليمنية تقدم دورها حيناً وتعيده الى الوراء أحياناً. فبعد 11 ايلول أيضاً، نما الدور الايراني دولياً وإقليمياً، ساعياً الى تقديم صورة مختلفة عن صورة الاسلام السعودي الداعم للشبكات الارهابية، قبل أن يًفك الحصار الدولي عن طهران بعد توقيع الاتفاق النووي. كما صعدت تركيا في إطلالة إسلامية معتدلة، وحصد الربيع العربي متغيرات لم تصل الى أعتاب السعودية ودول الخليج، وسقط للرياض حلفاء وبقي آخرون.

 

 

ليس عابراً حجم الإحاطة الدولية بمشروع ابن سلمان كما الانقلاب في النظرة الى السعودية

 

بعد «غزوة نيويورك»، لم تخرج السعودية عن سياستها التقليدية، ولم يتمكن الملك عبدالله من إحداث التغيير المطلوب. إذ كانت الحلقة الدينية تحكم قبضتها في مواجهة ملك متقدم في العمر، يحاول التوفيق بين رؤية سياسية في مقاربة قضية القدس وسوريا عبر الحوار مع الرئيس بشار الاسد، ويستوعب التغيير في بنية الحكم العراقي بعد سقوط صدام حسين وصعود الأكثرية الشيعية بدعم من إيران.

هنا تكمن الحلقة الاساسية في المتغيرات الحالية، من خلال محمد بن سلمان الذي انتقل بتسوية داخلية وخارجية من ولي ولي العهد الى ولي العهد، ليكون الحاكم الفعلي في ظل والده. شاب ثلاثيني يرسم مستقبلاً له وللمملكة لعقود طويلة، ويعرف أن طموحه قد يكون مكلفاً على رؤيته كما على حياته. لم يعتمد السيناريو التقليدي بخطوات إفرادية إصلاحية أو متعثرة، ولم يترك الوقت لأعدائه كي يستفردوا به، مراهناً على مجتمع شاب تستهويه عناوين مكافحة الفساد ومقاربة الحريات الاجتماعية بطريقة حديثة. في أسابيع قليلة، لم تعد السعودية تحمل الصفات المتداولة، علماً بأن وسائل إعلام عريقة وتقليدية، اميركية وأوروبية، باشرت التمهيد للحدث السعودي منذ أشهر بتغطيات واسعة تتحدث عن «الأمير الشاب وتطلعاته الاصلاحية».

في هذا الإطار جاءت الحملة الاعلامية والسياسية انطلاقاً من كلام ابن سلمان عن إعادة السعودية الى ما كانت عليه، وليس تحديثها: مقالات عن السعودية في الخمسينيات والستينيات، النساء المتحررات، الغناء والموسيقى، الاختلاط بين الجنسين، أي كل ما لا يعرفه الجيل العربي والغربي الجديد عنها. وهو نفسه الكلام الذي كرره ابن سلمان مع فريدمان. فجأة صار للسعودية في عيون الغرب تاريخ مختلف. يتقاطع بعض اللبنانيين الذين عملوا في الرياض في بدايات نهضتها مع هذه الصورة، ومع السعوديين «المتحررين» الذين كانوا يقضون أيامهم في لبنان قبل 1975، ويختلف معها الذين ذهبوا اليها إبان الحرب، حين بدأ عصر التشدد الاسلامي فيها. وهنا تكمن النقطة الاساسية حين تسلط السعودية الضوء على أسباب المنحى التشددي، حاصرة إياها في الثورة الاسلامية الايرانية واقتحام الحرم المكي عام 1979، وتحميل إيران مسؤولية صعود الطبقة الدينية المتشددة.

في الاسابيع الاخيرة حلت السعودية الجديدة محل القديمة، عبر احتفاء عالمي بقيادة المرأة السيارة فيها، وبإعلانات مشروبات غازية أميركية تتناول المرأة السائقة، وتسليط الضوء على المهرجانات الغنائية الغربية واللبنانية، والاختلاط في المدرجات. كل ذلك يترافق مع تقديم المجتمع السعودي على صورة الجيل المثقف المطلع الذي يدخل الحداثة من بابها العريض، بما لا ينسجم مع كل الصور التي اعتادها الغرب واللبنانيون في طريقة مقاربتهم للسعوديين الذين لا يعملون ويستفيدون من الثروات.

أهمية المشهد الاجتماعي السعودي أنه «الزاوية الاصلاحية» التي يحاول ولي العهد تقديمها الى العالم، مستفيداً من تجييش دولي داعم له في معركته الاصلاحية الداخلية، في موازاة سعيه الى إطار سياسي قائم على مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة.

في مقابلته الاميركية، اختصر ابن سلمان سياسته الخارجية بعبارتين: وصفه المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي بـ«هتلر الشرق الاوسط»، وقوله إن رئيس الحكومة سعد الحريري، «مسلم سنّي»، لن يواصل تغطية حكومة يسيطر عليها حزب الله.

من اليمن والاحداث المتسارعة، الى المصالحة الفلسطينية، الى لبنان حيث ترتفع حدة المواجهة مع حزب الله، الى الزيارة الاولى لبطريرك ماروني للسعودية، يكمن الدور السعودي في ظل قيادة جديدة شابة، يتهمها خصومها بالتسرع والرعونة وبارتكاب أخطاءً لا تحصى، ويشيد أصدقاؤها بقيادتها الحكيمة ونظرتها المستقبلية، لكنها تمشي واضعة ثقلها لإطلاق مسار جديد بمباركة أميركية. في السياسة الداخلية اللبنانية، وبعد التطور الحريري، لا يحبّذ كثر مقاربة الملف السعودي. ثمة حذر في الوسط السنّي في الكلام عن جوّ سعودي غامض. واللبنانيون أصلاً منقسمون بين من يعادي السعودية ومن لا يريد التورط في الكلام عنها قبل جلاء ملابسات أحداثها، ومن لا يزال يحفظ الودّ للسعودية التقليدية «التي وقفت الى جانب الشرعية اللبنانية» والزعامات السنية التقليدية، وقدمت مساعدات للبنان ورعت اتفاق الطائف.

السعودية اليوم غير التي اعتادها لبنان. فأين حدود متغيراتها من كل ما سبق ذكره؟ أسئلة وجّهتها «الأخبار» الى ثلاث شخصيات من غير المنغمسين في العلاقة مع السعودية، كلّ من موقعه ورؤيته السياسية: الوزير السابق والرئيس الأسبق لحزب الكتائب، والسياسي القريب من العهد، المحامي كريم بقرادوني، وأمين سر لقاء قرنة شهوان سابقاً المحامي سمير عبد الملك، والباحث في شؤون الشرق الاوسط الاستاذ الجامعي الدكتور فادي الاحمر.

بقرادوني: سياسة السعودية تخبّط أم تجارب؟

 

السعودية التي عرفناها كانت الوسيط في حل المشاكل أو تتحاشاها. ولعبت دوراً مهماً في إنهاء الحرب من خلال الطائف. لكنها أظهرت من خلاله الوجه الآخر الحقيقي كحامية للسنّة في لبنان، فأعطى الطائف دوراً دستورياً لرئيس الحكومة، وأبقت عينها على هذا الوجه السنّي القوي ورعته مالياً وسياسياً.

في بداية الحرب، كانت السعودية مع أبو عمار وتموّل منظمة التحرير، لكنها رأت لاحقاً وجهة نظر متكاملة حول المسيحيين بمعنى الاستقرار والسيادة والأمن. لذا حدث تقارب مع المسيحيين، ولعبت دور الوسيط في المؤتمرات بعد 1982 وتقريب وجهات النظر بين الرئيس أمين الجميل وسوريا والقيادات السنية.

السؤال اليوم هو كيف حاولت السعودية الجديدة القبض على أهم ما عندها كزعامة سنية، أي الرئيس سعد الحريري، وما هو البديل من إضعافه وهل الهدف خلق زعامات جديدة، وما هي سياستها تجاه السنّة ولبنان؟ ما يشغل البال التناقض في مواقفها؛ وآخرها التصريح حول المصارف، وهي أفضل أدوات الثروة السعودية والسنية في لبنان. والتهديد الدائم بسحب الودائع، وهي قليلة ولا تهز الوضع المالي، لكن التهديد أخطر من تنفيذه. فهل هذه سياسة جديدة أم تخبط وتجارب فقط؟ خارجياً، السعودية امتلكت السلاح الكثير والمال، لكنها لم تذهب الى الحروب ولم تستخدم جيوشها في صراعاتها. واليوم لم تعد مرجعية لحل المشاكل، لأنها أصبحت جزءاً من المشاكل، وتخوض مغامرات ذات طابع عسكري وهذا جديد عليها، كما في حرب اليمن حيث كلفتها كانت باهظة، وتوازن القوى لا يصب لمصلحتها، ولم تحقق لها أي اهداف. كذلك الأمر في سوريا، حيث لعبت دوراً سيئاً، أي دور المقاتل لإسقاط النظام. وهي عادة لا تسعى الى إسقاط الأنظمة وقلبها بالقوة.

محاربة الفساد عنوان جذاب ولا يمكن أن يكون أحد ضده، لكن هل هذا هو الأسلوب الأمثل؟ علماً بأن السعودية ليس لها موازنة حقيقية، وتحضير الموازنة خطوة لمحاربة الفساد، مع ضبط مصاريف الرشى والبذخ والحروب بمبالغ مئات المليارات من الدولارات. وهل ستستخدم المال الذي تضبطه للتنمية والتطوير، أم لمساعدة الدول العربية والإسلامية الفقيرة؟ كان واضحاً دور السعودية في خلق منظمات إرهابية، كداعش والنصرة والقاعدة، وتمويلها. في البداية، كان الهدف مع القاعدة محاربة الاتحاد السوفياتي. اليوم، هم انقلبوا عليها وهي انقلبت عليهم، ومحمد بن سلمان لن يتبنى هذه التنظيمات. لكن ما البديل من سياسة تعزيز الدول الإسلامية النامية؟ العلاقة مع إسرائيل؟ بدأنا نشهد كشفاً إسرائيلياً للتواصل السري. أين أصبحت القضية الفلسطينية ومبادرة الملك عبدالله وحق العودة؟ يطوي محمد بن سلمان صفحة ماضية ويفتح صفحة جديدة، لكن أخشى أن تخلق هذه القوة الكبيرة التي لا تواجه إيران مباشرة، مشاكل في دول أخرى لتحارب إيران عبرها.

 

سمير عبد الملك: ما رأيناه لا يتجاوز رأس جبل الجليد

 

ما يحصل في السعودية «ثورة»، لم يكن ممكناً أن تحصل إلا من فوق الى تحت، عكس ما يحصل في دول أخرى. فوليّ العهد كسر حلقة جهنمية بمحاربة الفساد، ولم يدفع الموظفون الصغار ثمنه كما يحصل عندنا. التغييرات في السعودية أكثر من ضرورية، تمهيداً لدخولها مرحلة العولمة. يكفي للتذكير أن الاقتصاد السعودي المبني على النفط لم يعد كافياً لتمويل أكثر من ستة آلاف أمير وأميرة. والمجتمع السعودي مجتمع فتي، أكثر من خمسين في المئة منه تحت سن الخمسين، يعيشون في ظل اقتصاد ريعي غير منتج، علماً بأن النظام أعطاهم تسهيلات عبر أنظمة الكفالة وغيرها. كذلك دخلت المملكة في حروب كثيرة استنزفت احتياطها، كما حصل في اليمن.

حصّن ولي العهد نفسه لهذه المرحلة منذ أن تمكن من السيطرة على وزارة الداخلية، وأحاط نفسه بمستشارين، وأعد ملفات كاملة عن الذين أوقفوا وعن غيرهم، وأجرت شركات متخصصة أعمال تدقيق مالية لكل المصالح المعنية. ولجم المؤسسة الدينية وربطها بالقصر الملكي وراقب خطب الجمعة، وثمة معلومات تتحدث عن بداية في تغيير المناهج السعودية. وهو يستفيد من تأييد الفئات الشبابية التي تنظر الى ما يجري كربيع سعودي فعلي.

يجب أن ننسى الصورة النمطية للسعودية، فمن كان يعتبر نفسه موالياً السعودية لم يستوعب بعد الواقع الجديد، فيتعامل معها وكأنها لم تتغير. هناك حالة إنكار كاملة أن السعودية أصبحت «جديدة»، وصفة السعودية الأب الحنون من اليمن الى سوريا ولبنان والعراق لم تعد قائمة، وتصرفاتها في هذه البلاد تتغير. واستقالة الرئيس سعد الحريري تمثّل «جدول الأعمال» السعودي الحقيقي في لبنان، علماً بأن السعودية لا تزال على موقفها وهي قالت إنها تتصرف مع الحريري بوصفه حاملاً للجنسية السعودية فيها، بدليل ما حصل بالنسبة الى شركته والتدقيق معها، وهذا الأمر يحصل منذ سنتين وليس من اليوم. لذا يجب أن نتوقع مزيداً من الضغط ومن الحرب الاقتصادية الفعلية، ولبنان لا يتعامل بجدية مع خطورة الوضع، فلا خطة طوارئ اقتصادية أو مالية أو سياسية لمواجهة الآتي، لأن ما يحصل سعودياً تجاه لبنان هو رأس جبل الجليد.

 

فادي الأحمر: الإصلاح يحتاج إلى خطوات ديموقراطية

 

أنا مقتنع بوجود قرار بالاصلاح الديني في السعودية، لكن ليس واضحاً حتى الآن الى أي حدّ يذهب ولي العهد بهذا الاصلاح، خشية أن يهتز التحالف القائم بين آل سعود والتيار الوهابي، ما يؤثر على النظام. هناك مؤشرات على الاصلاحات، كتقييد الشرطة الدينية وقيادة المرأة للسيارة. لكن السؤال: هل ما يحصل نابع من اقتناع ديني بأن الاسلام أصبح يحتاج إلى إصلاح حقيقي، أم ان ذلك نتيجة ضغوط دولية على السعودية ومصر لتغيير صورة الاسلام السنّي في الغرب، بعدما انتشرت فوبيا ارتباطه بالارهاب.

ما نراه خطوات أوّلية، لم ترتق الى الخطوات الايجابية العملية كالتربية الدينية. فهل يستكمل الاصلاح بتغيير في المناهج التربوية لبناء مجتمع سعودي جديد مختلف عمّا سبقه؟ لا أعتقد أننا وصلنا الى هذا الحد.

النقطة الثانية الانفتاح الديني وقبول الآخر على قدم المساواة. هناك مؤشرات على ان السعودية تريد الانفتاح على الآخر، سواء من خلال مركز الملك عبدالله للدراسات، أو من خلال زيارة البطريرك الماروني. لكن الانفتاح على الآخر يحتاج الى خطوات عملية أكثر حضوراً.

إذا سلّمنا جدلاً بأن دور السعودية يتطور على ثلاثة محاور، دينية واقتصادية واجتماعية، إلا أننا نرسم علامة استفهام حول المحور السياسي. فصحيح أنها تعمل على تطوير اقتصادها وتحويله منتجاً، الى جانب النفط، لكن ثبت في أنظمة أقل تشدداً كسوريا ومصر أن الانفتاح الاقتصادي لا يكفي للتغيير السياسي. فهناك خطوات سياسية يجب اتخاذها لتعزيز الديموقراطية في السعودية، ولو تحت ظل الملكية عبر الانتخابات النيابية والبلدية وحرية الاعلام وغيرها من الخطوات الضرورية من أجل نظام ديموقراطي.

تُغير السعودية الاستراتيجية الخارجية التي بنت عليها سياستها في الثلاثين سنة الماضية، إزاء جارتها إيران. مع تسلم الجيل الجديد الحكم، بدأ فعلاً التغيير في إدارة الازمات في اليمن وفي لبنان عبر ما حصل مع الرئيس سعد الحريري. ورغم أنها هدّأت الوضع بعد هذه الازمة، إلا أنها تبدل خطواتها بعدما لعبت دوراً توفيقياً، بدءاً من مؤتمر القمة العربية عام 1976 وصولاً الى المؤتمرات الحوارية التي عقدت في لبنان واتفاق الطائف.

ما حققه وليّ العهد هو تحريك المياه العربية الراكدة تجاه ايران، ووضع اليمن كأولوية أساسية. ويحاول في سوريا استعادة زمام المبادرة والدخول طرفاً أساسياً على طاولة المفاوضات، فيما يضع القضية الفلسطينية جانباً.