IMLebanon

السعودية تخيّر حلفاءها اما «الانتحار بالسم» أو «رصاصة بالرأس»

منذ اليوم الاول لبدء الحرب في سوريا اتخذ حزب الله قرارا مركزيا بتحييد الساحة اللبنانية عن «الحريق» السوري، دعا امينه العام السيد حسن نصرالله الطرف الاخر في «السر» والعلن الى عدم الزج بلبنان في اتون الحرب الدائرة هناك، تاخرت المملكة العربية السعودية في تاييد هذا القرار «العاقل»، استمر العبث بالداخل اللبناني لاشهر عديدة في مواجهات عبثية في الشمال وتحديدا في طرابلس، منعت اجهزة امنية لبنانية من التعاون مع حزب الله في الحرب ضد «التكفيريين»، شرعت الحدود اللبناني امام «جحافل» هؤلاء تحت عنوان دعم «الثورة السورية»، تدخل المقاومة الحاسم اقفل «الابواب» والنوافذ اللبنانية، عادت المملكة الى صوابها قبلت بمعادلة الحفاظ على الاستقرار «الهش»، سحب «فتيل» التوتر من الشارع، ثمة تغطية دولية لتبريد «الاجواء» اللبنانية، لم يلغ الانسحاب من الشارع الخلاف السياسي، تم التفاهم على صيغة تعايش تبقي الحكومة على «قيد الحياة»، تم تفعيل سياسة «النايء بالنفس» وتدوير الزواية، لم يحصل اتفاق على محاولة اقناع حزب الله بتغيير قناعاته، ولم يكن على جدول الاعمال اخراج تيار المستقبل من «عباءة» المملكة، اذا ما الذي تغير؟ ولماذا كل هذا الغضب السعودي؟

اسباب «الغضب» يمكن تقسيمها الى ثلاثة اسباب «وجيهة»، بحسب اوساط دبلوماسية في بيروت، السبب الاول اقليمي يرتبط بسقوط الرهانات السعودية في سوريا، بعد سلسلة الانهيارات العسكرية الميدانية، وتراجع قدرة الدبلوماسية السعودية على التاثير في مجريات الاحداث بفعل تخلي واشنطن عن دعم استراتيجيتها. هذا ما يدفعها الى توسيع رقعة «الحريق» والبحث عن ساحات اخرى لتعديل ميزان القوى. السبب الثاني يرتبط بقوة وقدرة تاثير الامين العام لحزب الله في الحرب «الاعلامية» المناهضة لسياسة المملكة في المنطقة، ويقر المسؤولون السعوديون باخفاق الحملة الاعلامية المضادة في التقليل من حجم «الدعاية» المنظمة التي يتولاها بشخصه، ما خلق توازنا اعلاميا لم يكن في الحسبان. اما السبب الثالث فيرتبط بضعف حلفاء الرياض على الساحة اللبنانية، وسوء ادارتهم للصراع، وهذا ما اقتضى دخولها المباشر على خط المواجهة في محاولة واضحة لاعادة التوازن المفقود.

لكن يبقى السؤال المركزي، هو كيف ستتمكن الرياض من مواجهة ما تسميه «مصادرة حزب الله القرار اللبناني وإرادة الدولة اللبنانية»، هي تريد من القيمين على السلطة السياسية في لبنان مواجهة الهجوم الإيراني عليها ومواجهة السياسة العدائية التي تنتهجها طهران ضد المملكة ودول الخليج وعدم تحويل لبنان لأحد ميادين النفوذ الايراني؟ لكن لا تقول كيف سيتم ذلك؟ وهل لديها اصلا استراتيجية واضحة للقيام بهذا الامر؟

بانتظار ان تتضح الاجابة على هذه الاسئلة، ترى تلك الاوساط، ان المملكة كمن «اطلق النار» على «رجله» فهي «رمت بالقفازات» في وجه حلفائها وليس اعدائها في لبنان،لان المتضرر الاول والاخير تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري الذي جاء القرار السعودي بمثابة «دوش» مياه باردة فوق راسه، هو لم يكن على علم بهذا الموقف، وكذلك رئيس الحكومة، جاء القرار بتوقيت سيء بالنسبة اليه، فهو بات في بيروت «عاريا» دون «مظلة»سياسية بعد القرار السعودي «بفك» الارتباط مع لبنان، الرياض سجلت هدفا في مرمى «التيار الازرق» وقوى 14آذار، لانها تدرك ان تخيير حزب الله الانتقال للضفة العربية والتخلص من «الهيمنة الإيرانية»، لن يجد «آذانا صاغية» بل يثير الكثير من السخرية في اوساط الحزب وشريحة كبيرة من اللبنانيين، والسؤال كيف سيترجم حلفاؤها هذا الامر؟ ثمة حملة داخل السعودية على من تسميهم بعض الدوائر هناك بالسياسيين اللبنانيين «الحلفاء» الذين انكشفت حقيقة مواقفهم وقدرتهم على الزعامة، وثمة تحميل مباشر لهؤلاء بالمسؤولية عن «هيمنة» ايران على القرار اللبناني، ولا يوجد فقط عتب على موقف رئيس الحكومة تمام سلام، بل يشمل ذلك الرئيس الحريري المتهم بعدم القدرة على «ملء» الفراغ الذي تركه الرئيس رفيق الحريري.

وفي هذا السياق تروي تلك الاوساط ما جرى حين اتخذ وزير الخارجية جبران باسيل موقف النأي بالنفس في كل من مؤتمري وزراء خارجية دول الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وتشير الى ان غضب المملكة «طال» رئيس الحكومة تمام سلام المتهم بتغطية باسيل عبر تسلحه بالبيان الوزاري، يومها وصله «العتب» عبر السفير السعودي في بيروت، فجاء رد سلام واضحا ما الذي تريدونه، «انهيار الحكومة»، اذا كان الامر كذلك فلا مشكلة، ولكن ما هو البديل لحماية الاستقرار؟ لم يأته اي جواب، استعيض عن موقفه «بصراخ» عال للحريري، ولم يعتقد سلام لوهلة ان المسؤولين السعوديين ينتظرون مقابلته التلفزيونية ليل الخميس الماضي لتوضيح الموقف، عاد وكرر اللهجة التبريرية، عندها سمع الرجل كلاما كبيرا وقاسيا من العسيري الذي اتهمه بمراعاة حزب الله وايران، بدلاً من مراعاة المملكة، فكر الرجل بالاستقالة، لا يريد ان يتحمل وزر «قميص وسخ» يريد البعض ان يلبسه اياه، لم يعط الفرصة للمناقشة….وبعد ساعات صدر الموقف السعودي.

ويبقى السؤال المركزي المطروح حاليا، هو كيف تريد الرياض من الحكومة اللبنانية الحالية عدم مسك العصا من الوسط، كيف سيحصل هذا الامر دون «انفجار» الحكومة وانهيارها؟ والاسئلة الاخرى تتعلق بمدى صوابية القرار السعودي اصلا، فاذا كانت الخلفية هي مواجهة التدخلات الايرانية في لبنان، فهل بوقف المساعدات العسكرية للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي يبتعد لبنان عن ايران؟ ام يساهم هذا القرار بزياة عزلة حلفاء السعودية؟ هل شعور هؤلاء «باليتم» سيساعدهم على مواجهة حزب الله؟ ومن الذي سيملأ «فراغ» الانسحاب السعودي؟ الا يساهم قرار اضعاف المؤسسات الامنية الرسمية بتقوية حزب الله؟ الا يشكل القرار السعودي دليلا اضافيا على صدقية كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حيال المملكة؟ اليس ما اتخذته من قرارات يؤكد على العقلية «البدوية» التي تتحكم بسياسة العهد الجديد «اما معنا واما ضدنا»؟ هل من دولة تحترم نفسها يمكن ان تقبل «اذلالها» على الطريقة السعودية؟ طبعا نداءات الاستغاثة من قبل بعض «المتسولين» مفهومة ولا تتعلق «بكرامة» وطنية لم تكن يوما على جدول اعمال هؤلاء….

في الخلاصة، اتخذت المملكة قرارا «مربكا» سيكون له تداعياته المستقبلية على الساحة اللبنانية، ثمة تهديد بالمزيد من الإجراءات التي تضغط على لبنان مثل وقف تأشيرات العمل والزيارة للبنانيين الى دول الخليج، وتفعيل عمليات «الطرد» لتشمل شيعة محسوبين على الحزب ومسيحيين محسوبين على التيار الوطني الحر، الرياض تدرك ان هذا الامر لن يغير شيئا في موقف حزب الله، ولن يعدل موازين القوى على الساحة اللبنانية،هي تدرك ان حلفاءها أصبحوا في وضع ضعيف لا يسمح لهم بالتصدي للحزب، هي امام خيارين اما استكمال سياسة التخلي عن لبنان والتسليم بخسارة المواجهة مع ايران، وترك حلفائها تحت رحمة عواصف الاضطرابات الاقليمية في المنطقة، او اتخاذ قرار بتصعيد المواجهة مع ما تسميه الهيمنة الإيرانية على لبنان وسيطرة حزب الله على الدولة، وهذا يتطلب عملا جادا لدعم حلفائها في قوى 14 آذار، وهذا يتطلب تقديم المساعدات المالية والعينية لهم، وزجهم في اتون مواجهة غير متكافئة، والنتيجة ستكون واحدة، تخيير الحلفاء بين الموت «انتحارا» بالسم او «الانتحار» باطلاق «رصاصة» على الرأس…