في الأساس وعمق قضية استقالة رئيس الحكومة سعد الدين الحريري لحكومته كان مبنياً على أطر اقليمية قياساً على ضيق المناورة في الداخل اللبناني بحيث اقفلت الابواب وحتى النوافذ امام اي تقارب سعودي – ايراني بالرغم من الوساطات العربية والاجنبية وهذا هو لب القضية في حقيقتها المبنية على عداوة وليست مجرد خصومة بين طهران والرياض، وكان ايضاً لا بد من ان تنفجر الازمة من زاوية ما فكانت الساحة اللبنانية بعد ان ضاقت الخيارات على المستويين السوري والعراقي. ماذا كانت تريد السعودية من لبنان؟
سؤال مركزي ارادت الرياض بشكل متدرج ان تجس نبض المسؤولين اللبنانيين في المقام الاول حيث كانت زيارات لقيادات سياسية لبنانية من الصف الاول الى المملكة السعودية ولكن حسب اوساط وزارية في الثامن من آذار يبدو ان المسؤولين في المملكة تكونت لديهم بعد هذه اللقاءات اجوبة غير شافية ولا تتناسب مع الخطوة التي كانت تحضّرها الرياض للحكومة اللبنانية وللوضع برمته خصوصاً ان تغريدات الوزير السبهان كانت تعلو رويداً رويداً حتى بعد لقاءات اللبنانيين في الملكة مما يعني ان لا امكانية لقلب الطاولة الحكومية في ظل ما لمسته خلال الاسابيع الماضية مع العلم ان رئيس الحكومة سعد الحريري كان قد زار الرياض ايضاً ولكنه اما لم يقتنع بالخطة السعودية او اراد التمترس وراء المزيد من الوقت تمهيداً لدخول فرنسي على الخط يمكن ان يحقق للسعودية مطالبها دون استقالة الحكومة ورئيسها، وان كانت الخطة تعول عليها الرياض منذ ما قبل زيارات اللبنانيين اليها، الا ان الخطوط التنفيذية كانت تحاك بين واشنطن والسعودية وليس مروراً بأ عاصمة عربية أو اوروبية ومن هنا يتبين الفشل الفرنسي في عملية اقناع المسؤولين في الرياض بالتروي خصوصاً وان ترتيب البيت السعودي يجب ان يحصل اولاً على موافقة اميركية وتجاهل كل المجموعة الدولية التي لا تقدم او تؤخر في هذا القرار المتخذ.
وتجزم هذه الاوساط ان مجمل الحركة السعودية كانت تدور حصراً حول ضرب حزب الله واخراجه من لباسه الحكومي تمهيداً لاعتباره خارج اطار مؤسسات الدولة التنفيذية، وبالتالي تعريف حزب الله ان السعودية بالذات هي التي تتبنى بشكل علني عملية اعلان الحرب على الحزب بشكل واضح وذلك من خلال اذاعة كل تفاصيل تحرك الحريري نحو الرياض مرتين في خلال اسبوع، مع العلم ان رئيس الحكومة بالذات لم يكن على علم بفظاعة ما يتم التخطيط له والا ما كان قد صرح: «انني عائد الى لبنان بسرعة».
وتلحظ هذه الاوساط سلسلة من الشواهد تؤكد ان السعودية وحدها ارادت افهام الجميع انها وراء كل ما سيحدث وبشكل علني من خلال التالي:
– اولاً: مكان تقديم الاستقالة للحريري والذي بدا فيها دون ادنى شك مربكاً بعض الشيء خصوصـاً انـه سيـعلن «فرط» مجلس الوزراء من الرياض بالذات وهذا امر لم يحصل من قبل في تاريخ لبنان، وهذه النقطة بالذات تشير اليها هذه الاوساط على انها في طبيعة الحال مقصودة مئة بالمائة ولا حاجة الى تفسيرها انما عملية سكوت الحريري لاكثر من يوم بعد استقالته، اعـطت انطباعات مغايرة بأن الرجل لا يعمل مطلقاً على راحته حتى ولو قيل انه قيد الاقامة الجـبرية او ممنـوع من الاتصالات سوى باتصال وحيد مع رئيـس الجمـهورية العماد ميشال عون لاعلامه بانه استقال من الحكومة.
– ثانياً: لا شك ان اعتماد قناة «العربية» السعودية كمحطة سعودية كي تعلن استقالة رئيس حكومة لبنان قبل دقائق من قراءته بيان الاستقالة مع العلم ان الحريري يملك محطة المستقبل وكان باستطاعته اعلان استقالته منها ولكن كان كل شيء سعودي ابتداء من المكان الى المحطة التلفزيونية وصولاً الى المسؤولية السعودية.
– ثالثا: كان قد سبق خطوة الاستقالة بتسريبات عن صدور بيانات صاعقة سعودية تطال الوضع الحكومي تحت مسمى محاربة حزب الله وهذه البيانات تمت صياغتها وفق هذه الاوساط بحبر اميركي ظاهر للعيان من خلال مواقف المسؤولين الاميركيين لحظة استقالة الحريري.
– رابعاً: لم تكن السعودية اقله من جهة الاجهزة الامنية موفقة في ترشيد عمل الاستقالة الذي وضعته في خانة امكانية تعرض الحريري للاغتيال او ان ظروفه مشابهة لوضعية اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري بحيث نفت كافة الاجهزة الامنية اللبنانية بما فيها فرع المعلومات اية معلومات حول هذا الامر.
يبقى لهذه الاوساط ان تكشف ان عملية تغطية الاستقالة لم تكن موفقة وان حصلت خصوصاً ان التدرج السعودي في رسم الخطة كان فاقعاً الى حد كبير.