يشعر الذين راهنوا على استثمار ازمة استقالة الرئيس الحريري والدفع بها الى اقصى الحدود بالخيبة والاحباط. فلبنان بعد ثلاثة اسابيع نجح في احتواء كل ما جرى مستنداً بالدرجة الاولى الى هذا الاجماع الكبير على الاستقرار ومواصلة مسيرة التسوية التي بدأت بانتخاب الرئيس عون وتشكيل حكومة اعادة الثقة.
ومما لا شك، حسب مصادر مطلعة، ان لبنان تجاوز ثلاث مراحل من الحملة التي تعرض لها بعد ان اجبرت السعودية الحريري على الاستقالة وهي:
1-عدم قبول الاستقالة والمجيء باسم اخر غير الحريري، وبالتالي تفويت الفرصة على محاولة خربطة الوضع على الارض وخلق اجواء صراع وفتنة في البلد.
2- دعم الحريري في الاستمرار بدوره ليس كرئيس للحكومة بل كرئيس لتيار المستقبل والزعيم السنيّ الاول في البلد. وقد ساهمت العائلة بدور مهم في تحقيق هذا الهدف بعد ان جرت محاولة لاستبداله بشقيقه بهاء.
3- الحفاظ على الحكومة بكل تشكيلتها، وبالتالي حماية مسيرتها الى موعد الانتخابات النيابية في ايار المقبل.
وبرأي المصادر ان الذين تسرّعوا بالرهان على ضعف لبنان وقعوا في فخ المغامرة، خصوصاً انهم لم يقدروا الدعم الدولي لاستقرار واستمرار الامن والامان فيه.
وتشير في هذا المجال الى ما سمعه المسؤولون اللبنانيون مباشرة من مسؤولين اميركيين واوروبيين وعرب من حرص على حماية لبنان بما يشكل مظلة دولية قوية لاستقراره.
والسؤال المطروح كيف ستتصّرف القيادة السعودية تجاه الساحة اللبنانية بعد هذا النجاح في تخطي الازمة الاخيرة؟
يقول المراقبون ان هذه القيادة لا تستطيع ان ترمي عباءتها على كتفي الدكتور سمير جعجع المسيحي، لانها تدرك بل تريد ان تكون العباءة السعودية التقليدية من نصيب زعيم سنيّ.
وهي لا تريد ان تتهور اكثر في التسرع او السعي الى الباس العباءة السعودية الى سنيّ بديل عن الرئيس الحريري، بعد ان فشلت محاولة نقلها الى شقيقه بهاء. لكن ذلك لا يعني انها تراجعت عن موقفها من رئيس الحكومة رغم كل ما قدمه ويقدمه تجاهها.
ولذلك تجد نفسها بعد كل ما حصل وما فعلته بالحريري انها في وضع مربك تجاه التعامل مع الساحة اللبنانية، خصوصا ان الذين اتكلت عليهم كانوا دون مستوى الآمال والطموحات والامكانيات.
وبرأي المراقبين ان الرياض بحاجة الى مراجعة وتقويم ما جرى، خصوصا انها لم تجد بلدا واحدا تغطي ذهابها في حملتها الى النهاية، لا بل انها اجبرت على تعديل خطتها قسرا حتى اشعار اخر.
وتتصرف قيادة محمد بن سلمان على طريقة «يطعمك الحج والناس راجعة»، فبدلا من ان تتعاطى بموضوعية مع الاحداث والتطورات الاخيرة التي تؤشر بوضوح الى نجاح دمشق والعراق في معركة استعادة زمام الامور والحرب على الارهاب، ذهبت الى فتح حروب جديدة ومنها باتجاه لبنان ولم تكلف نفسها حتى الان في بحث اسباب فشلها في اليمن وغرقها في رماله.
وتقول المصادر المراقبة ان هذا الحجم من المكابرة لدى القيادة السعودية الطامحة تجعلها، بدلا من تصحيح اخطائها، تمارس سياسة الهروب الى الامام وتصرّ على انتهاج مواقف تصعيدية تجاه الساحات المحيطة بها.
وحتى الان، وفق المعلومات والقرائن، فإن هذه القيادة تلقت صدمات غير متوقعة تجاه تعاطيها الاخير مع لبنان، فواشنطن التي تراهن على دعمها خذلتها، والاتحاد الاوروبي لم يتجاوب مع تصرفها بل ساهم في فرملته، عدا عن المآخذ التي بدأت تتصاعد على لسان بعض المسؤولين حول طريقة تعامل الامير محمد مع الامراء والمسؤولين ورجال الاعمال السعوديين المحتجزين.
وتأخذ اوساط اوروبية وغربية عليه بأنه يرفع شعارات تغييرية واصلاحية، لكنه يمارس دورا تسلطيا لا يتوافق مع هذه الشعارات.
وفي لبنان، كما بات معلوما، فإن القيادة السعودية ارتكبت خطأ فادحا في تهورها واعتمادها على تقارير بعض المنتفعين او الباحثين عن ادوار واحجام اكبر من احجامهم بأضعاف واضعاف.
وبدلا من ان تستوعب صدمتها تذهب الى التهويل والتهديد مستنفرة «لغة خشبية» تجاه الحكومة اللبنانية وديمومتها.
وحسب ما افرزته الاسابيع الثلاثة الماضية فإن هناك من يريد ان تستمر السعودية في موقفها التصعيدي والمتشدد، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع ان يلعب الدور الفاعل والمحرك على الساحة اللبنانية، لذلك يفضل في الوقت الحالي ان لا يضع كل حساباته في سلّة واحدة، لانه يدرك ان الغطاء لاستقرار لبنان اكبر من المغامرات الفاشلة.