في لحظة إقليمية دقيقة وخطرة، جاء رحيل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ليطرح علامات تساؤل واستفهام عن عنوان المرحلة المقبلة وموقف المملكة من الملفات المشتعلة في المحيط، ومن لبنان أيضاً الذي طالما حظي برعاية سعودية وعناية خاصة ساهمت في حماية استقراره الداخلي.
بدا واضحاً أن الأجوبة الاولى عن التساؤلات المطروحة جاءت فورية من المملكة وتجلت في مجموعة من المؤشرات والمواقف التي تبلور آفاق المرحلة
المقبلة.
أول هذه المؤشرات تجلى في عملية الانتقال السلس وغير المسبوق للحكم إلى العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو ما يعزز الانطباع بأن المملكة نجحت في تأمين استمرارية الحكم والنهج المتبع، الامر الذي أكده الملك الجديد في اول كلمة له بعد اعتلائه سدة الحكم حين أعلن ان المملكة بقيادته ستستمر على النهج نفسه الذي سار عليه اسلافه.
وفي رأي مصادر سياسية ان النهج الذي تحدث عنه العاهل الجديد ينسحب على السياسة الخارجية التي يقودها وزير الخارجية سعود الفيصل منذ عقود.
والمعلوم ان المملكة تواجه تحديات كبيرة على صعيد السياسة الخارجية، تتمثل في ملفي الارهاب وتمدد الاسلام التكفيري اللذين يشعلان المنطقة من العراق الى سوريا واليمن ولبنان، فضلا عن ملف العلاقات المضطربة مع ايران.
ثاني المؤشرات تجلى في مسارعة الملك سلمان الى تأكيد بقاء وزير النفط علي النعيمي في منصبه في ما اعتبره مراقبون رسالة لطمأنة سوق النفط إلى عدم حصول تغيير في سياسة المملكة على هذا الصعيد، في ظل التراجع الحاد في أسعار النفط.
وجاءت تطمينات الملك بعدما ارتفعت اسعار النفط عقب الاعلان عن وفاة الملك عبد الله.
وإذ يتوقف المراقبون عند السرعة التي تم فيها الاعلان عن ثبات المملكة على مواقفها وسياساتها الخارجية والنفطية على السواء، او في التغيرات التي أعلن عنها من خلال اختيار الملك شخصيات أصغر سناً للخلافة ومن الجيل الثاني للأسرة الحاكمة، بعدما عيّن الامير مقرن وليا للعهد والامير محمد بن نايف ولياً لولي العهد، يرى هؤلاء أن هذه التعيينات جاءت لتقطع الطريق على اي تكهنات تُحتمل إثارتها عن خلافات تهدف إلى إضعاف الوضع الداخلي للمملكة في مرحلة إقليمية ودولية مثقلة بالالغام والتحديات. وفي رأي المراقبين عينهم أن الملك في خطوته هذه، حدّد مسار الخلافة على مدى السنوات المقبلة ووضع حداً لأي شكوك حول الوضع الداخلي تمهيدا لتفرغ القيادة السعودية للاستحقاقات السياسية والامنية والدينية المحيطة.
ويعتقد المراقبون أن التغييرات على مستوى السلطة تأتي في سياق ترتيب البيت الداخلي السعودي ولن يؤثر على السياسة الخارجية للمملكة.
وهذا الامر ينسحب على لبنان الذي تداعى أمس بكل فئاته إلى تقديم التعازي برحيل الملك عبد الله والاشادة بالملك الجديد الذي أجمع عدد من عارفيه من القيادات اللبنانية على مشاعره الطيبة حيال لبنان، مستبعدين أي تغيير في سياسة المملكة.
والمعلوم أن السعودية كانت قدمت إلى لبنان أخيرا هبة بقيمة 3 مليارات دولار لدعم الجيش وتجهيزه في حربه على الارهاب، وأتبعتها بهبة ثانية بقيمة مليار دولار للغاية عينها. كما كان لها دور في دعم الاستقرار النقدي من خلال وديعة بقيمة مليار دولار أودعت في المصرف المركزي عقب عدوان تموز 2006، سدد لبنان لاحقاً نحو 500 مليون من مجموعها.