IMLebanon

الوجه السعودي لعودة الحريري

عاد الرئيس سعد الحريري الى بيروت وغادرها مجدداً. العودة الروتينية هذه المرة، لم تكن تحمل طابعاً لبنانياً بل كانت تحمل رسائل الى القيادة السعودية الجديدة

كان لافتاً ان زيارة الرئيس سعد الحريري الى بيروت لم تحدث الضجة نفسها التي رافقت عودته المفاجئة في آب الفائت، بعد غياب ثلاث سنوات، كما لم تثر مغادرته، ايضاً، الاسئلة المعتادة عن موعد عودته المقبلة.

وهج المرة الاولى مختلف دوماً، برغم ان العودة الثانية ترافقت مع الاحتفال بذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط، لكن المعادلات التي تغيّرت منذ آب الماضي جعلت من تعاملوا مع الزيارة يحصرونها ببعدها السعودي اكثر منها بالاطار اللبناني الداخلي.

لا شك في ان الحريري الذي فاجأ جمهوره في المرة الماضية، استفاد من توقيت مناسب، سعودياً ولبنانياً، بالاعلان عن ارتباط عودته بمتابعة هبة مليار دولار التي قدمها آنذاك الملك عبد الله بن عبد العزيز للجيش والقوى الامنية اللبنانية، ولا سيما ان توقيت العودة جاء على وقع معركة عرسال بين الجيش اللبناني و»جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، وخطف مجموعة من عناصر الجيش وقوى الامن الداخلي.

استفاد الحريري، الذي قال حينها ان اقامته ستكون طويلة، مما اثارته معركة عرسال من ارتدادات، فأسهب في التركيز على الجو السني «المعتدل» في وجه التنظيمات الاصولية، وفي تأكيد دعم الجيش من خلال حصة له من هبة المليار، اضافة الى الاتفاق السعودي ــــ الفرنسي على تقديم مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار للجيش.

حلّ الحريري في بيروت، فيما كان السفير السعودي علي عواض العسيري يودّع المسؤولين اللبنانيين بعد انتهاء مهماته، وعدم تعيين سفير جديد بسبب الشغور الرئاسي، لكن الحريري غادر فجأة، واعيد السفير السعودي لمتابعة ملف لبنان، وهدأت حركة المستقبل، الى ان انطلق الحوار بينه وبين حزب الله في كانون الاول الماضي.

العودة الحريرية الثانية لم تكن لبنانية صافية، بل كان لها وجه سعودي واضح. تتقاطع معلومات احد اطراف قوى 14 آذار المطلعين، مع مرجع معني من قوى 8 آذار، بحصر مجيء الحريري الى بيروت بالافق السعودي بعد التغييرات التي شهدتها المملكة العربية السعودية.

ثمة تقاطعات سعودية داخلية بدأت تفرض ايقاعاً جديداً داخل المملكة

لم يكن امراً بسيطاً ان يستهل الحريري كلمته في ذكرى 14 شباط بما يشبه مبايعة الملك سلمان بن عبد العزيز. في العلاقة السعودية ــــ الحريرية يفترض ان تمر هذه العبارة على نحو تقليدي، لكن رئيس الحكومة الأسبق اراد، بحسب المصدرين، ارسال رسالة الى القيادة السعودية، بتركيبتها ووجوهها الجديدة، بأنه موجود، وبأنه لا يزال ضرورة حيوية، وبأنه قادر بمجرد عودته الى بيروت على تفكيك الغام كثيرة، حكومية وغير حكومية، واستقطاب الشارع السني، ومد جسور صلة وثيقة بالمسيحيين وتخفيف الاحتقان السني ــــ الشيعي.

ليس جديدا ما يعرف عن علاقة ولي ولي العهد الامير محمد بن نايف بالحريري، وما تقوله اوساط، حتى في المستقبل، عن مكانة الحريري في تركيبة سعودية مختلفة جذرياً عما اختبره وعرفه حتى الآن مع الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. لا يعني ذلك ان الادارة السعودية تخلت عن الحريري الابن، او انها تعلي مرتبة شخصيات سنية في المستقبل وخارجه، على حسابه، بحسب بعض المطلعين على علاقة الحكم السعودي بالوضع السني اللبناني، لكن ثمة تقاطعات سعودية داخلية بدأت تفرض ايقاعاً جديداً داخل المملكة وخارجها. وهو امر بديهي في ادارة جديدة تعيد قراءة سياستها الداخلية والخارجية وفق تطلعات تتلاءم مع شخصيات المرحلة.

وليست المسألة تقديم الحريري نفسه كرئيس حكومة مقبل، لأن دون ذلك صعوبات منها بديهية بسبب عدم وجود رئيس للجمهورية، برغم ان جدول اعماله الديبلوماسي والعسكري والسياسي في بيت الوسط، كان بمثابة برنامج رئيس الحكومة، لكن الحريري اراد القول لمن يملك في الرياض قرار بيروت، انه لا يزال الرقم الصعب سنياً في العاصمة اللبنانية. وهو قادر على ان يقدم ما لا يمكن لاي زعيم سني ان يقدمه، لا الرئيس تمام سلام ولا أي من قادة 14 آذار السنّة، ولا حكما الرئيس نجيب ميقاتي وشخصيات سنية من قوى 8 آذار.

حوّل الحريري مهرجان 14 شباط مناسبة لاعادة تنشيط الشارع السني المستقبلي واظهار قيادته لجمهوره من عكار وطرابلس الى البقاع وصيدا، في موازاة تحريكه لعجلة بيت الوسط السياسية. زار الرئيس نبيه بري ليدعم الحوار مع حزب الله، ويؤكد تمسكه بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية. وفي الملف الشيعي كان واضحا في خطابه في ذكرى اغتيال والده انه حريص على استكمال الحوار مع حزب الله، لاسباب اسلامية، ولو انه يختلف معه على سلاحه ودخوله في حرب سوريا التي رفع السقف ضد نظامها.

في الشق السني، ذهب الحريري الى السرايا داعما موقف سلام ومؤيدا جهوده ودوره في ادارة جلسات الحكومة التي اعطاها سلام اجازة قسرية. اما بالنسبة الى الجمهور السني، فقد اعتمد تعابير «اكثر عصرية» بالقول انه «لسان الاعتدال السني الذي يقوم عليه خطاب القيادة السعودية».

وفي المقلب المسيحي، يقول الحريري للسعودية انه يمسك العصا من منتصفها: استقبل قادة 14 آذار المسيحيين، وعقد لقاءات مطوّلة مؤكداً التحالف معهم، وفي الوقت نفسه التقى رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون. وهو يريد، بحسب تعبير احد المطلعين، اقامة «علاقة جيدة معه، ولو لم يكن لها صلة برئاسة الجمهورية التي يعرف ان الرياض لا تحبذه لها مطلقا. يريد الحريري إبقاء الصفحة الجديدة التي فتحها مع عون، وحماية ظهره من فريق مسيحي كان يسبب له لوقت طويل مشكلة خلافية مستمرة».

بين متابعته ملف الهبة السعودية للجيش والقوى الامنية كما قال في آب الماضي، والاستقطاب الذي اراده في شباط شعبيا وسياسيا، تغيرت السعودية جذريا، داخليا وخارجيا. ولهذه القيادة الجديدة قال الحريري في زيارته بيروت: انا موجود.