IMLebanon

جسر سعودي لدور مصر

ليست الأرقام المالية، وإن بمليارات الدولارات، مقياس أهمية زيارة العاهل السعودي لمصر، فهذه في ذاتها مؤشر الى دور عربي طال انتظاره، قادر على التعامل مع مخططات الآخرين للمنطقة، من اسرائيل إلى ايران، وربما تركيا في يوم ما، وعلى جبه التواطؤ الاميركي – الروسي مع طهران في سوريا، بالذات، وأبرز مؤشراته إخراج مصير بشار الأسد من النقاش الأممي.

فرغم النتائج الاقتصادية، والسياسية والأمن إجتماعية، لضخ 4 مليارات دولار في السوق المصرية، وتزويد مصر مشتقات نفطية بقيمة 20 مليار دولار للسنوات الخمس المقبلة، فإن المغزى الأبعد هو ما ينطوي عليه إقرار انشاء جسر فوق البحر الأحمر، يربط بين البلدين، وكذلك تنمية شبه جزيرة سيناء بـ1.5 مليار دولار، علماً بأن السعودية هي الأولى عربياً في الاستثمارات في مصر، بـ 6 مليارات دولار، تمثل 30 % من الاستثمارات العربية.

الجسر الجديد سبقه الجسر مع البحرين عام 1986، لكنه الأول الذي يربط افريقيا بآسيا، وبتعبير أدق، عرب افريقيا بعرب آسيا، ويكاد يشابه في فكرته، ونتائجه الإنسانية –الإجتماعية المرتقبة، ما أدى اليه النفق تحت البحر بين القارة الأوروبية والجزيرة البريطانية.فكيف وفي السعودية مليونا مصري، وفي مصر 600 ألف سعودي؟

أما تنمية شبه جزيرة سيناء، فهو الوجه الآخر لمحاربة الإرهاب: الأمن لا يأتي من فوهات بنادق الجيش والشرطة وحدها، إذ يستلزم توافره أمنا اجتماعيا تؤمنه فرص عمل تتيح الإنخراط في المجتمع، عموما، وتقدم للناس المعنى الحقيقي لنعمة الحياة.

يحتاج اقتصاد مصر الى هذه الجرعة القوية، ويحتاج الموقف العربي إلى وزن مصر الاقليمي والدولي، ولا يكون ذلك من دون استعادتها دورها العربي، الذي ضربه اتفاق “كامب دايفيد” 1978، وانكمش بعد ثورة 30 حزيران 2013. يعرف زائر مصر ما بعد الثورة أنها تعاني اقتصادياً، وان هجمات التطرف المتأسلم، كلفها غالياً، ولعل حال منتجع شرم الشيخ دليل ساطع إلى مدى الانهيار في موارد السياحة، وجوانب عدة من الحركة الاقتصادية المصرية.

ذلك، لم يمنع القاهرة من ان تكون لها مواقف متمايزة، تجاه ما يجري في سوريا، ولربما ساعد الحل الراهن في اليمن، ومصادفته الزيارة الملكية، وما قد يستجر من حلول لأزمات أخرى، كالتحارب الأهلي في ليبيا، في إنجاز نقلة حقيقية في مفهوم العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، تكون زادا لهما في قمة اسطنبول.

أشرت تجربة “مجلس التعاون لدول الخليج”، على مدى35 عاما، إلى ما يمكن أن تنتجه المصالح المشتركة، في المجتمع والاقتصاد والسياسة، ولربما يسمح توسيع ما أرسته زيارة الملك سلمان لمصر إلى المجموعة العربية، بإحياء العروبة كرابطة بالمفهوم الأوروبي للإتحاد، وليس بالمفهوم الغيبي الانفعالي، على ما عودتنا الديكتاتوريات البائدة، إذتستشعر أخطاراً على تسلطها،وتهديداً لبقائها.