في الوقت الذي كانت فيه قوى الرابع عشر من آذار تعمل على التهديد، باستقالة رئيس الحكومة تمام سلام، بهدف الضغط على قوى الثامن من آذار وتكتل التغيير والإصلاح، جاء الرد سريعاً على لسان أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، بشكل تحذير جدي، من الذهاب نحو الفراغ الذي يوصل إلى المجهول، في حال عدم التوصل إلى تفاهم عن طريق الحوار بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، وهو أمر يتطلب من الفريق الأول الإعتراف بحقوق الفريق الثاني، ومن ثم الإقدام على تقديم التنازلات المنتظرة.
وفي حين يعتبر الكثيرون أن تلويح رئيس الحكومة تمام سلام بالإستقالة، ينبع فقط من أزمة النفايات التي تعجز الدولة حتى الآن عن إيجاد حل نهائي لها، بالرغم من أنها كانت تتوقعها منذ أشهر طويلة، يبدو أن العقدة الأساسية تكمن في غياب الرغبة لدى تيار المستقبل بالقيام بأي مبادرة، بسبب حال الضياع التي يمرّ بها الفريق السياسي الإقليمي الذي ينتمي إليه، نتيجة لتبدل الكثير من المعطيات بعد توقيع الإتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول الكبرى.
من هذا المنطلق، تجدد مصادر مطلعة في قوى الثامن من آذار، التأكيد على أن لا مخرج من الأزمة الحالية، إلا عبر التفاهم مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، وتشّدد على أن أحداً من فريقها السياسي لا يعارض الجنرال بأحقية مطالبه، حتى ولو كان لدى البعض ملاحظات معينة، إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى الرفض، لا سيما أن المشكلة الفعلية هي عند الفريق الآخر، الذي يصّر حتى الساعة على الإستمرار في سياسة الإستئثار بالسلطة التي يمارسها منذ سنوات طويلة، والتي وصلت إلى مرحلة لا يمكن عندها العودة إلى الوراء.
وتشّدد هذه المصادر على أن المعادلة باتت واضحة أمامها، بالنسبة إلى الأيام المقبلة، إما التفاهم مع التيار الوطني الحر، الفريق الأقوى على الساحة المسيحية، أو الذهاب نحو المجهول، وتشير إلى أنها لا تهدد بهذا الأمر على الإطلاق، بل على العكس من ذلك فإن الفريق الآخر هو من يأخذ البلاد إلى هذا المكان عبر عناده، لا سيما أن الجميع يدرك بأن هناك غبناً يلحق بالمكون المسيحي، وتضيف: «لا يمكن أن يطلب أحد من العماد عون أن يتنازل عن حقوق المسيحيين من أجل الخروج من الأزمة، بل على الفريق الذي يرفض إعادته إليهم أن يتواضع قليلاً».
بالنسبة إلى هذه المصادر، ليس هناك من معجزات مطلوب تحقيقها على هذا الصعيد، خصوصاً أن طريق التسوية واضح، من خلال التفاهم الذي سبق أن أبرم بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، في ما يتعلق بالتعيينات في القيادات الأمنية، من خلال الموافقة على تعيين رئيس شعبة المعلومات العميد وسام عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، مقابل تعيين قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز قائداً للجيش اللبناني، وتشير إلى أن أغلب القوى السياسية لا تعارض الذهاب إلى هذه التسوية المعقولة، خصوصاً أن كلاً من عثمان وروكز يتمتعان بالمواصفات المطلوبة.
على الرغم من ذلك، توضح المصادر نفسها أن العقدة الحالية تكمن في تراجع المستقبل عن تعهداته لأسباب لم يعلن عنها بعد، في حين أن كل المؤشرات توحي بأن الموضوع يعود إلى قرار سعودي يقضي بعدم الإستعجال بالتفاهم مع الوطني الحر، على إعتبار أنها غير مستعجلة على إنهاء الأزمة اللبنانية، نظراً إلى أنها ترى أن من الممكن حصول تبدلات في المعطيات في المرحلة المقبلة، في حين أن الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية لا تسمح بالإستمرار في مثل الرهانات، لا سيما أن هناك معلومات عن بحث بعض الدول الغربية والعربية عن أي وسيلة تسمح لها بالإنفتاح، ليس فقط على الجمهورية الإسلامية، بل أيضاً على الدولة السورية، إنطلاقاً من عملية إعادة العلاقات الدبلوماسية عبر عودة العمل إلى القنصليات كخطوة أولية.
من هذا المنطلق، تعتبر هذه المصادر أن المصلحة الوطنية تتطلب من الحريري المبادرة، اليوم قبل الغد، إلى فتح حوار مع عون، يفضي في نهاية الأمر إلى الوصول إلى حلول منطقية، خصوصاً أن البلاد قائمة أصلاً على قاعدة التوافق، وبالتالي مهما بلغت الأوضاع من تصعيد سيجلس الجميع على طاولة حوار واحدة، وإلا يكون المطلوب نسف الصيغة التي يقوم عليها لبنان، وتشير إلى أن من المؤكد أن هذه ليست مصلحة تيار المستقبل في هذه المرحلة.
في الجانب الآخر، لا تبدو قوى الرابع عشر من آذار، لا سيما تيار المستقبل، في وارد المبادرة حالياً، حيث لا تزال تعبّر مصادرها على أن المطلوب من الفريق الآخر وقف العرقلة التي يمارسها على مختلف الصعد، وتحذر من نفاذ صبر سلام في وقت قريب، وتشدد على أن الحديث عن إحتمال إستقالتها أمر جدي جداً، فهو لا يستطيع أن يتحمل كل الضغط الذي يمارس عليه، عبر تحميله مسؤولية الأزمات التي تنفجر تباعاً بوجه حكومته.
وترى هذه المصادر، أن مفتاح الحل يكمن في تراجع رئيس تكتل التغيير والإصلاح قليلاً، خصوصاً أن العمل السياسي على قاعدة: «أنا أو لا أحد» لم يعد ينفع، وتدعو إلى تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة من أجل إنقاذ البلاد من الواقع الحالي، وتضيف: «على الفريق الآخر أن يقتنع بأن الفراغ لن يقود إلى المؤتمر التأسيسي، فهذا الأمر يتطلب توافقاً وطنياً غير متوفر بسبب تمسك اللبنانيين باتفاق الطائف».