Site icon IMLebanon

قرار سعودي بالردّ على هجوم أرامكو… والسؤال عن الزمان والمكان والأهداف؟

 

تحضيرات متسارِعة لضربة مُوجعة لإيران… وواشنطن أمام الامتحان العسير

 

 

مستقبل «المملكة الجديدة» على المحك ورهان على خطوات وليّ العهد محمّد بن سلمان حول المكانة الإسلامية والعربية والعالمية مستقبلاً

لا يُشكّل الهجوم على منشأتي النفط التابعتين لأرامكو في بقيق وخريص شرقي المملكة العربية السعودية لعباً على حافة الهاوية في المواجهة الأميركية – الإيرانية، بل هو سقوط في الهاوية. إنه تجاوز للخطوط الحمر وخطأ استراتيجي ونقطة تحوّل في مسار الحرب المفتوحة. كل الدعاية عن أن الهجوم المركّب بين صواريخ كروز وطائرات مسيَّرة هو من صنيعة الحوثيين في اليمن لا تجد مَن يتبناها نظراً إلى فداحة الخطأ. فحتى فرنسا ماكرون التي ترغب في قرارة نفسها أن تُبعد أصابع الاتهام عن طهران، خرج وزير خارجيتها معلناً أنه من الصعب تصديق أن يكون الحوثيون وراء الهجوم.

 

لا جدال حول أن الأسلحة إيرانية كما المسؤولية، لكن التحقيقات التي بدأتها سلطات الرياض بالتعاون مع خبراء أميركيين وفرنسيين وأمميين هدفها تحديد المكان الذي انطلقت منه الهجمات بشكل علمي وموثّق بدمغة دولية. الأنظار لا تذهب إلى الجبهة الجنوبية حيث تستخدم إيران الحوثيين، بل إلى الجبهة الشمالية باتجاه العراق. ما تسرّب من معلومات أن العملية انطلقت من جزر إيرانية في مضيق هرمز لضمان دقة الأهداف لناحية المسافة والمكان. النتائج النهائية لا يمكنها إلا ان تحمل أدلة دامغة كي تكون مسوغاً ودليلاً بالنسبة إلى المجتمع الدولي وإلى المسار المُتّبع من قبل الرياض باتجاه مجلس الأمن على تورط إيران، من زاوية أن الهجمات على منشآت أرامكو هي في شق أساسي منها قضية دولية تتعلق بأمن الطاقة العالمية.

 

لكن الهجمات في شق آخر منها هي رسائل مباشرة لأميركا التي تفرض حصاراً خانقاً على إيران من خلال العقوبات وتصفير تصدير النفط الإيراني، والتي هددت بأنه في حال منعها من تصدير النفط فستمنع جميع الدول من التصدير عبر المضيق. وهي قامت أولاً بتخريب الناقلات وباستهداف أنابيب نفطية سعودية وإسقاط طائرة «درون» أميركية متطورة، وباحتجاز ناقلات. وكانت في كل مرة ترفع من وتيرة الاستفزاز ولا تلقى رداً عسكرياً، بل كان اتجاه واشنطن وحلفائها نحو بناء تحالف دولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية وأمن الملاحة، والذي انضمت إليه بريطانيا والبحرين والسعودية والإمارات، وسيشهد مزيداً من انضمام دول أخرى، ولا سيما آسيوية.

 

غير أن تراخي الإدارة الأميركية في التعامل مع الاستفزازات الإيرانية ضد الحلفاء بما تشكله من رسائل موجهة إليها، انطلاقاً من سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرافضة للانخراط بالحروب العسكرية والمستندة إلى استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية القادرة على التأثير وفعل فعلها من دون الحاجة إلى الدخول في حرب دامية، أسهم في تمادي طهران. هذا التمادي بات اليوم يضع ترامب في موقف حرج يضرب صدقيته ويطال هيبته ليس على مستوى الداخل الأميركي فقط بل أيضاً في نظر الحلفاء في المنطقة وشعوبها التي يعتريها على الدوام قدر كبير من عدم الثقة بأميركا وسياستها. ومن شأن استمرار هذا السلوك الإيراني أن يُضيّق على «سيد البيت الأبيض» قدرة المناورة  إلى مدى أطول، واستخدام سياسة العصا والجزرة، من دون أن تحمل نتائج إيجابية وتقدماً ملموساً داعماً لرؤيته الاستراتيجية وتصب في خدمتها، وهو الذي بنى عليها مشروعه في الانتخابات الرئاسية الأولى والتي سيواصل  البناء عليها في حملته للانتخابات الرئاسية الثانية.

 

ولكن هذين العاملين, رغم أهميتهما, لا يتقدمان على العامل الأبرز المتمثل بالسعودية وأمنها ومصيرها كدولة. فبغض النظر عما ستتجه إليه الأمور، فإن ثمة ما يشبه الجزم واليقين لدى المتابعين للموقف السعودي بأن استهداف منشآت أرامكو لا يمكن أن يكون من دون رد. هذه المسألة تتخطى أي توجه لعدم السقوط في الفخ الذي ترسمه إيران لجهة جر السعودية لحرب محدودة أو واسعة. ليس هناك من وهم بأن السعودية كدولة ومقدرات نفطية ومكانة دينية وسياسية للعالم الإسلامي  مستهدفة منذ اليوم الأول لنشوء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي سبق أن استهدفتها في تفجير الخُبر عام 1996، وماضية في محاصرة المملكة من اليمن والعراق، وفي محاولات الضغط على الكويت وسلطنة عُمان، ومواصلة محاولاتها لتحريك الداخل البحريني، وماضية في اختراق المجتمعات الخليجية والعربية. ويتصاعد الاستهداف الإيراني لها عبر وكلائها في المنطقة.

 

اليوم وصلت الأمور بالنسبة إلى المملكة إلى نقطة «اللاعودة». فمستقبل «السعودية الجديدة» على المحك. ذهب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى خطوات غير مسبوقة في الخروج من سياسة الترهل التي طبعت المملكة قبل سنوات، ومن سياسة الصبر الاستراتيجي الذي كان سمة بارزة في العهود السابقة. وأقدم ولي العهد محمد بن سلمان على خطوات جريئة سياساً واقتصادياً واجتماعياً اتسمت بالخطوات الانقلابية الكبرى لما يأمل أن يرى مستقبل المملكة وهي تحتل مكانتها الإسلامية والعربية والعالمية. والأهم ما بثه بن سلمان من روح واندفاع لدى الشباب ليس السعودي فقط بل والعربي. بات محمد بن سلمان نموذجاً لقائد شبابي ذي رؤية مستقبلية منفتحة ليبرالية متحررة من مورثات تُعيد المجتمعات إلى الخلف بدل التقدّم إلى الأمام، يُقدّم صورة الإسلام المعتدل التي جرى تشويهها وإلصاق تهمة التطرف بالمملكة فكراً وعقيدة وممارسة.

 

هذا العامل سيكون مؤثراً في المسار الذي ستسلكه الرياض. هي تدرك أن ما تواجهه اليوم لا يقل خطورة عمّا واجهته عقب أحداث 11 أيلول 2001 وهجمات القاعدة على برجي التجارة الدولية في منهاتن. وبالتالي، لا يدور النقاش حول ما إذا كان سيكون هناك رد سعودي. الرد مسألة محسومة لدى القيادة السعودية، لكن السؤال هو: كيف ومتى وأين وماهية لائحة الأهداف؟ من هنا تُفهم الحركة الأميركية الصاخبة من جهة، والحركة السعودية الهادئة من جهة أخرى.

 

الردّ ومستواه وطبيعته يتطلب التحضير له سواء على مستوى المملكة أو على مستوى الحلفاء. البعض يرى أن التحضيرات والتحركات المتسارعة التي تقودها واشنطن تشي بأن الرد قد يكون في غضون أيام أو أسابيع، لكن البعض الآخر يرى أن المهم ليس التسرُّع في الرد بل القيام بعمل مدروس ومنسَّق ليس بهدف حفظ ماء الوجه على غرار رد «حزب الله» ضد إسرائيل والذي كان مسرحية بإخراج رديء، إنما عمل عسكري – استخباراتي يُشكّل رداً موجعاً لإيران ستدرك معه أن أي مغامرة جديدة لها ستكون كلفتها عالية عليها.

 

ما بعد استهداف منشأتي أرامكو لن يكون كما قبله. أميركا أمام الامتحان، والدول الخليجية والعربية والإسلامية ما عاد بمقدورها أن تكون في منطقة رمادية. الوقوف إلى جانب السعودية ليس واجباً لأنها قبلة المسلمين ولما تحتله من مكانة في الوجدان العربي والإسلامي سياسياً ودينياً، بل لأنها تقود اليوم المواجهة نيابة عن العالم العربي والإسلامي بأجمعه. ويتوقف على نجاحها أو فشلها مستقبل الأمة العربية دولاً وشعوباً.