سهل العمل الديبلوماسي السعودي، لأنّ السياسة الخارجية للمملكة سهلة. واضحة وبأجندة واحدة. المقروء والمعلن والمنشور فيها، هو ذاته المخبوء وغير المعلن والمستور خلف الأبواب المغلقة. لا تقول شيئاً وتفعل عكسه. ولا تدّعي مواقف وتتنكّر لها. ولا تصافح بيد وتحمل خنجراً باليد الأخرى.
وصعب ذلك العمل (الديبلوماسي) من جهة أخرى، لأنّ الدنيا حروب ونزاعات ومواجهات. ولأنّ المملكة تتعرض منذ أحداث 11 أيلول 2001 لحملة منهجية متعددة المصادر والأهداف. ولأنّ أهل مشروع الغلبَة الإيراني لم يتركوا موضوعاً أو خبراً أو حدثاً إلا واستغلّوه ووظّفوه في ذلك السياق. وهم الذين يعرفون تماماً أنّ السعودية بوزنها ودورها ومكانتها وقدراتها وإمكاناتها وسياستها ورمزيّتها ومحوريّتها، وكونها في الجغرافيا والتاريخ أرض الرسالة ومهد النبوة وحاضنة البيت العتيق، هي أكبر وأهمّ وأخطر عقَبَة تقف في وجه ذلك المشروع! والعمود المركزي الذي يحمل خيمة الصدّ في وجه الطامعين والطامحين والأشرار الباحثين عن غاياتهم وأهدافهم ومراميهم على حساب العرب والمسلمين وثرواتهم وكياناتهم وسيادتهم واستقرارهم.
كان الأمير الراحل سعود الفيصل سيداً في مجاله وعمله، ويشبه الى حدٍّ كبير «سياسة» بلاده الرسمية والمعلنة: دمث على متانة تؤاخي الصوّان. وأدب على عزّة الواثق بنفسه وأرضه وتاريخه. وهادئ هدوء المتيقّن بأنّه على حق. وبعده كان خلفه الوزير عادل الجبير يسرح على الوتيرة ذاتها. يقارب بأدب ورفعة خلق أعتى القضايا وأخطرها. ويُجادل بالمنطق والكلمة الصحيحة والواقعة المثبّتة والموثّقة، صلف الاتّهامات المعادية والافتراءات الكيدية المصاحبة عادة لسقط الكلام، وقلّة الاحترام، واحتراف التزوير والتحريف وما تناسل منهما وعنهما.
الديبلوماسي السعودي ينفّذ سياسة دولته وقراراتها ويعبّر عنها. ويبلّغها موضعياً. ويشرحها إذا اقتضى الأمر. ويقوم بوظيفته تبعاً لتوصيفها.. ومفترٍ مَن ينكر أن أصحاب الشأن والقرار في الرياض عرفوا دائماً كيف يختارون ديبلوماسيّي الدولة وممثّليها في الخارج. بحيث تكون الكفاءة صنوَ الأخلاق الحميدة والتواضع والأدب. عدا العلم والبراعة والكياسة واحترام الذات والآخر، ثمّ التمرّس في الوظيفة ومتطلّباتها.
عرفت بعض تلك الوجوه أيام عملي في لندن. وعرفت البعض الآخر هنا في بيروت من أيام الديبلوماسي السفير الوزير الشاعر عبد العزيز خوجة، ومعظم الطقم الديبلوماسي العامل في السفارة وصولاً الى القائم بالأعمال الحالي السفير وليد البخاري الذي رقّي الى رتبة وزير مفوّض في وزارة الخارجية، والذي أثبت في غضون أشهر معدودة، كفاءة يُحسد عليها، وذكاء وقّاداً. ورفعة خلق، وسعة اطّلاع لا تخطئهما عين. ومعرفة بلبنان وأهله وعائلاته وأحزابه وجغرافيّته، وكأنه كان هنا منذ ولادته..
هذه وجوه إلفة وطيبة وودّ ورحابة وطيب خصال. ودعاة خير وسلام واعتدال وانفتاح ومروءة.. تماماً على شاكلة المملكة وقيادتها وسياستها، وهي المحروسة بألطاف ربّ العالمين والمحميّة برعايته وعفوه وقدرته ورضاه الى يوم الدين.