للمرة الأولى منذ العام 2010، تبدو مؤشرات التسويات في الإقليم وازنةً أكثر من تلك الممهّدة لاشتعال وتصعيد وحروب. إعادة تسوية كل من ايران وسوريا اوضاعهما مع المملكة العربية السعودية، ووصول المفاوضات بين هذه الأطراف إلى إعادة فتح السفارتين السعوديتين في دمشق وطهران وكذلك السفارة الايرانية في الرياض، يعني أنّ المنطقة تتجّه بهدوء نحو الضوء الأزرق، بعدما ذُيّلت بلونٍ أحمر على الخريطة الحرارية العالمية للأحداث في الفترة الماضية.
هذا المستجد لا بدّ له أن يحمل انعكاسًا على الحالة اللبنانية التي تأثرت في ما مضى بالسياسات الإيرانية في المنطقة، حيث ارتأت بعض الدول تجفيف منابع الدعم للدولة اللبنانية انطلاقًا من إشتراك «حزب الله» في السلطة فيها. علاوة على ذلك، كان لاشتراك الحزب في معارك تخطّت حدود سوريا، أثرًا بالغًا على العلاقة السعودية مع لبنان. من هنا، تبدو واضحةً الحاجة اللبنانية إلى تسوية العلاقة بين «حزب الله» والدول العربية، بعد فتح باب العلاقات السعودية ـ الايرانية، لعلّ ما أفسده الخلاف الاقليمي لبنانيًا، تحمل التسويات في الخارج حلولًا تجاهه.
في هذا الإطار، تشير المعلومات إلى أنّ التواصل السوري ـ العربي الذي حصل أخيرًا، حمل معه طرحًا سوريًا لتقريب وجهات النظر بين القيادة في المملكة العربية السعودية وقيادة «حزب الله». انطلاقًا من هنا وتبعًا لتطوّر الاقليم، أتى الردّ السعودي غير ممانع لاتخاذ خطوة كهذه، ولكنه لم يضعها ضمن إطار مغاير عن إطار التقارب مع إيران. المعلومات تضيف أنّ الجانب السعودي كان قد رفض في السابق وساطات للتفاوض الآحادي مع «حزب الله»، على قاعدة أنّ الدولة لا تفاوض المجموعات، وانّما تفاوض الدول. ولكن بعد التسوية بين الرياض وطهران كان لا بدّ من إنهاء لملفات عدة عالقة بينها الملف اليمني، حيث يبدو أنّ الجانب الإيراني قد أعطى الضوء الأخضر لتليين الموقف فيه، وصولًا إلى تسوية تريدها ايران أن تتمّ مع اليمنيين عن طريق «حزب الله» لا عن طريق الدولة الايرانية نفسها!
وبعيدًا عمّا تريده ايران، من الواضح أنّ الديبلوماسية السعودية هنا تتقن ما تفعل، وأنّ اعادة رسم مشهد المنطقة بقيادة ولي العهد الامير محمد بن سلمان هو هدف واضح ومنشود لا يقف عند التفاصيل، والملف اللبناني في هذا الإطار هو تفصيل التفصيل، ولا يمكن أن يؤخّر الاستراتيجية السعودية في الانتقال بالمنطقة من مرحلة نزاع وشلل إلى واقع اقتصادي جديد ومزدهر، باتت معالمه ملموسة في الداخل السعودي تنمويًا وتطويريًا، وهو الواقع الذي أرساه بن سلمان منذ وصوله.
وفي التفاصيل، تؤكّد المعلومات، انّ المساعي نجحت بإمكانية إجراء حوار ولو بعيدًا من العدسات، في إحدى العواصم العربية، هدفه تبريد حالة التوتر بين السعودية والحزب، وأنّ للسعودية شروطًا عدة أساسية للحوار، ابرزها إنهاء حالة التمرّد العسكري على حدود اليمن معها، إضافة إلى عدم إبقاء لبنان منصّة للهجوم السياسي والاعلامي عليها، وكذلك إيجاد صيغة في ما بعد تضبط الحدود اللبنانية مع سوريا.
وتتكتم المصادر عن اجواء «حزب الله» في هذا الصدد تحديدًا، ولكن واقع الامور يقول في وضوح، إنّ القرار الايراني الاستراتيجي اليوم هو العمل على التهدئة في الاقليم، والاستفادة من الرغبة السعودية في دفع الخلافات جانبًا، بناءً على أولويات وضعتها قيادة المملكة ولم تساوم فيها حتى مع ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن، فكيف الحال في ما تبقّى من دول وجماعات في المنطقة؟