اذا كان بعض المراقبين يتساءل عن الحكمة من قيام السعودية بوقف «مكرمة» الملك الراحل عبدالله لتسليح الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي والبالغة 4 مليارات دولار اثر عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان لاحياء الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد والده معتبرين انها قنبلة انفجرت في وجهه وخلفت تداعيات على ايقاعه السياسي لجهة لمّ شمل «تيار المستقبل» من جهة وشد عصب فريق 14 آذار من جهة أخرى، وانها أضعفت وضعه على الرقعة السياسية، فان المعطيات على ارض الواقع تشير ان القنبلة السعودية اذا صح وصفها بذلك كانت عملية اسناد ناري من المملكة وبمعرفة الحريري لتغطي فشله في المهمة الموكلة اليه لتنفيذها من قبلها، فبدلاً من لمّ الشمل المطلوب ازدادت التصدعات داخل التيار الازرق وابرزها الخلاف الذي برز بين الحريري والوزير المستقيل اشرف ريفي، وادى الى خروجه من الحكومة، بالاضافة الى الشرخ الذي احدثه مع «القوات اللبنانية» من خلال تحميله رئيسها سمير جعجع المسؤولية عما حدث على الحلبة المحلية «بنكتة سمجة» اطلقها في «البيال» دون ان يراعي ابسط الاعراف في علاقة الضيف بالمضيف، وهذا ما استدعى من المملكة التدخل وفق المعلومات، فسارع الحريري الى معراب للاعتذار، كون المطلوب منه سعودياً اقناع جعجع بسحب دعمه للعماد ميشال عون في اندفاعته نحو بعبدا وفك التفاهم المسيحي – المسيحي الذي بلغ حدود اللحمة اثر نكتة الحريري.
وتضيف الاوساط ان الموقف السعودي مفتعل فلماذا لجأت المملكة بعد اكثر من شهر من موقف الخارجية اللبنانية في جامعة الدول العربية ومن ثم في مؤتمر الدول الاسلامية «بالنأي بالنفس» لاتخاذ موقف يوقف عملية تسليح الجيش اللبناني؟ ولماذا لم تأخذ هذا الموقف بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب ومؤتمر الدول الاسلامية من باب ضرب الحديد وهو ساخن وهذا امر طبيعي؟ والى اين سيصل التصعيد السعودي بعد رفضها استقبال رئيس الحكومة تمام سلام والطلب من مواطنيها مغادرة لبنان وتخفيضها مع الامارات والبحرين تمثيلهم الديبلوماسي؟
ولا يستبعد المراقبون الذين يحسنون قراءة عقلية «الجيل الثاني» الذي يحكم المملكة اللجوء الى ترحيل الاف اللبنانيين العاملين في الخليج وسط معلومات ان دول الخليج ابلغت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حاجتها الى كفاءات علمية تفضل ان يكونوا فلسطينيين لملء الشواغر لديها في مؤسسات وشركات خليجية طالبة من السلطة الفلسطينية تزويدها بقسائم الراغبين في العمل لديها مع ذكر المؤهل العلمي الذي يحملونه ليصار الى توزيعهم في الاماكن المناسبة.
وتقول الاوساط ان بعض المقربين من السفارة السعودية اشار في حلقته الضيقة الى ان رئيس مجلس النواب نبيه بري كان عليه ان يتوجه الى الرياض بدلاً من بروكسيل ولو فعل ذلك لتم تصحيح الاوضاع وان دل هذا الكلام اذا كان صحيحا على شيء فعلى ان السعودية غاضبة لعدم مسارعة بري بتلبية دعوتها في التوقيت الذي تريده لا في التوقيت المناسب وفق حسابات بري، فعقلية «الجيل الثاني» الحاكم في المملكة اغرقها في اليمن حيث تورطت في حرب مكلفة ماليا وبشريا، اضافة الى انعدام نفوذها في العراق والهزائم المتتالية للفصائل المسلحة التي تدعمها المملكة في الميدان السوري بعد تحرير الجيش السوري وحلفائه بمساعدة روسيا ريف اللاذقية وسيطرتها على معظم ريفي حلب الشمالي والشرقي، ولم يبق امامها الا وضعها على الساحة اللبنانية حيث تراكمت خسارات «تيار المستقبل» الذي يعتبر ظلها الرسمي فكان لا بد من «فش خلقها» في لبنان بوقف «المكرمة» التي كانت منذ الاعلان عنها في موقع الاخذ والرد، ولا يستبعد المراقبون ان تعتمد السعودية على وجوه جديدة محسوبة عليها وموثوقة منها بعدما شاخ «تيار المستقبل» في مطلع شبابه.