Site icon IMLebanon

بصمات سعودية من تفجير الرويس إلى متفجرة كسارة

هزّت بيروت وضاحيتها الجنوبية ثمانية تفجيرات إرهابية منذ إعلان المجموعات الإسلامية المتشددة لبنان «أرض جهاد». التفجيرات الأكبر كان وراءها تنظيم «كتائب عبدالله عزام». إعادة رسم خارطة التفجيرات وتقاطع المعلومات بين المنفّذين، يكشفان عن دور ما للاستخبارات السعودية. أما جديد المعلومات عن الشيخ بسام الطراس، الذي توسّط لإخراجه أهل السياسة والقضاء، فاتصالات مع مسوؤل العمليات الخارجية في تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو الوليد السوري، بحسب تحقيقات أمنية غربية

كشفت المعلومات الأمنية أن الشيخ بسام الطرّاس كان على تواصل مباشر مع مسؤول العمليات الخارجية في تنظيم «الدولة الإسلامية» المدعو «أبو الوليد السوري».

والأخير هو من أشرف على التفجيرات الانتحارية التي استهدفت المدنيين في برج البراجنة في ١٢ تشرين الثاني الماضي. كذلك فإنّه الرجل الذي «هندس» الهجمات الانتحارية، في اليوم التالي، في العاصمة الفرنسية باريس.

لماذا قد يكون هناك تواصل بين شيخٍ لبناني وقيادي كبير في تنظيم «الدولة الإسلامية»؟ ما سرّ الصدفة التي جمعت الطرّاس مع منفّذ تفجير كسارة (زحلة)، اللبناني علي غانم، في تركيا؟ وهل يُعقل أن تتجدد الصدفة ليجتمع الرجلان في منزل المطلوب محمود الربيع، العنصر التنفيذي الرئيسي في تفجيري السفارة الإيرانية؟ وفوق كل ذلك، في معرض الصدفة أيضاً، يعترف أحد الموقوفين في الخلية التي نفّذت تفجير كسارة، وهو تحديداً من ضغط على زر التفجير، بأنّ الطرّاس عرّفه على المدعو «أبو البراء»، طالباً إليه تنفيذ كل ما يطلبه إليه. و«أبو البراء»، بحسب اعترافات أفراد الخلية، هو العقل المدبّر لعملية كسارة ولعمليات أخرى.

لا تنتهي الصدف عند هذا الحد، بل يدلي الطرّاس بإفادته أمام محققي الأمن العام قائلاً إنّ الاسم الحقيقي لـ«أبو البراء» هو محمد قاسم الأحمد. والأحمد هذا هو العقل المدبّر لـ«خلية الناعمة»، وأحد المسؤولين في «كتائب عبدالله عزام» والمسؤول عن تفجيري الرويس وبئر العبد، ويُعتقد بأنّه بايع مؤخراً تنظيم «الدولة الإسلامية».

صُدف عدة تتراكم حول شخص واحد هو الشيخ بسام الطراس. الرجل نفسه الذي كان قبل توقيفه بساعات موجوداً في السعودية، وقبلها كان في تركيا، والذي استدعى توقيفه انتفاضة وزير العدل المستقيل أشرف ريفي ووزير الداخلية نهاد المشنوق ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر لإرسال القاضي هاني الحجار ليلة عيد الأضحى للاستماع إلى إفادته شخصياً ثم يُقرر أنه غير متورط، من دون أن يواجهه بمن ذكر اسمه حتى، ناسفاً كل الجهود الأمنية التي سبقت استدعاءه بقرار من الحجار نفسه. وهنا يأتي أكثر الأسئلة مشروعية: لماذا تنتفض الدولة بأمنها وقضائها وسياسييها، بـ«كبسة زر»، لتضغط بكل ما أوتيت من قوة لترك موقوف، لسخرية القدر، يتبين لاحقاً من خلال تحليل داتا الاتصالات أنه مرتبط مع أحد أخطر الإرهابيين «أبو الوليد السوري»، الذي يأتمر بأوامر المتحدث باسم تنظيم «الدولة» أبو محمد العدناني؟!

الصمت على توقيف

«المعلومات» للطراس هل مردّه الاطمئنان إلى عدم استهداف مشغّله الحقيقي؟

وللعلم، فإنّ أجهزة الاستخبارات الغربية عززت نشاطها على خط مراقبة الاتصالات الإلكترونية لجهاديين ينشطون على الساحة اللبنانية، بعدما تبيّن أنهم مفاتيح موصلة إلى قيادات من الصف الأول لتنظيم «الدولة الإسلامية»، والتي تتحرك من الرقة لإدارة العمليات الخارجية، ومن بينهم «أبو أنس العراقي» و«أبو البراء الإيعالي» و«أبو الوليد السوري»، علماً بأنّ الأخير قُتل، بحسب اعترافات «المنسّق أمني» الموقوف لدى فرع المعلومات محمود الغزاوي، خلال غارة أميركية استهدفته في الرقة.

من هنا تبدأ الحكاية. من محمد الأحمد وحسين الزهران (من العقول المدبّرة لعدد من التفجيرات) اللذين اختلفا مع نعيم عباس، «منظّم» التفجيرات التي استهدفت ضاحية بيروت، مروراً بمحمود الربيع وصطّام الشتيوي ومحمد عمر الإيعالي وصولاً إلى الطراس. وهنا تحديداً يحضر طيف الاستخبارات السعودية، عبر إحدى أدواتها التنفيذية في لبنان «كتائب عبدالله عزام». هذا التنظيم أسّسه أحد ضباط الاستخبارات السعودية السابقين ماجد الماجد الذي يُعتقد بأنّه كان مرتبطاً بمدير الاستخبارات السابق بندر بن سلطان. وللعلم، فإنّ ثمانية تفجيرات إرهابية هزّت بيروت وضاحيتها الجنوبية منذ إعلان المجموعات الإسلامية المتشددة لبنان أرض جهاد، فيما أفشلت الأجهزة الأمنية عمليات أُخرى. التفجيرات الأكبر والأكثر إيلاماً بلغ عددها خمسة، كان تنظيم «كتائب عبدالله عزام» وراءها، فيما تبنّى تنظيم «الدولة الإسلامية» تفجيرين، وسُجّل التفجير الثامن في حساب «جبهة النصرة». إعادة رسم خارطة التفجيرات وتقاطع المعلومات بشأن المنفِّذين يكشفان عن دور ما للاستخبارات السعودية، ويضعها في دائرة الاتهام بشكل مباشر، لا سيما بعدما بيّن الرصد التقني أنّ اتصالاً جرى بين مفجِّر سيارة الرويس، بعد العملية التي وقعت في آب ٢٠١٣، وشيخ مقيم في السعودية «زفَّ» فيه المتّصل نبأ نجاح العملية، ثم طلب لاحقاً تحويل مبلغ مالي. تجددت هذه الشبهة في التفجير الانتحاري الذي استهدف المستشارية الإيرانية، ورُصِد اتصال بين المنفذين ورقم هاتف سعودي. ورغم أن السلطات في الرياض تلقّت معلومات عن رقم الهاتف المشبوه، إلا أن أيّ إجراء لم يُتّخذ بحقه، بل بقي الهاتف «شغّالاً» بلا أي معوقات في أعمال أمنية أخرى. التنظيم نفسه اعترف، عبر المتحدث باسمه سراج الدين زريقات، بـ «غزوتي السفارة والمستشارية الإيرانية». أحد العناصر التنفيذيين في الهجوم كان المطلوب محمود الربيع الذي لعب دور المنسّق الأمني. اختفى الرجل، ليتبين لاحقاً أنّه انتقل إلى تركيا. بقي الربيع على تنسيق مع الأحمد والزهران اللذين نشطا لمدة على الحدود العرسالية مع القلمون، قبل أن يُفقد أثرهما. ومنذ أسابيع، عاد اسم الربيع على لسان الموقوف الرئيسي في «خلية كسارة» علي غانم، ليذكر أنّه اجتمع مع الطرّاس في منزل مُستأجر من قبل الربيع في تركيا. لم يأخذ القضاء بكل ما سبق. ضرب بهذه المعطيات عرض الحائط. استنفر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر لنجدته حرصاً على أن يقضي الأخير عيد الأضحى في منزله. وهنا يُطرح سؤال مركزي: هل الغضب على توقيف الطراس من قبل الأمن العام كان محلياً؟ أم ان المحرّك موجود في السعودية، وهدف «الغضب» كان إخفاء ارتباطات للطراس؟ وهل خفوت الغضب بعد توقيفه من قبل فرع المعلومات مردّه الاطمئنان إلى أن الجهة المحققة لن «تستهدف» المشغّل الحقيقي لـ»كتائب عبدالله عزام» والطراس؟

فالقاضي صقر كان قد حدد اليوم جلسة للاستماع إلى الطرّاس، لكن قبل يومين ارتأى جهاز أمني آخر هو «فرع المعلومات» توقيفه مجدداً بشبهة وجود اتصالات بينه وبين جهات مشبوهة، بناءً على إشارة القاضي الذي أشار بتركه سابقاً. وسُرِّب في إحدى وسائل الإعلام، نقلاً عن مصادر أمنية، أنّ لا علاقة لتوقيفه بـ«خلية كسارة». فهل تتكرّر تجربة خلية الـ١٣ (أوقف أفرادها المنتمون إلى تنظيم «القاعدة» في الأيام الأخيرة من عام 2005 والأيام الاولى من عام 2006) يوم اعترف أحد أفرادها بعلاقته باغتيال الرئيس رفيق الحريري وقدّم معطيات خلال التحقيق ثبت صحّتها لاحقاً، ثم عاد ليتراجع عن اعترافاته لاحقاً.