IMLebanon

بيان الخارجية السعودية.. وأهميته

من المفيد التمعّن في نصّ البيان الذي صدر قبل ايّام عن وزارة الخارجية في الرياض في شأن «توضيح السياسات العدوانية لايران على مدى خمسة وثلاثين عاما«.

للمرّة الأولى تذهب السعودية الى توصيف دقيق مدعوم بالوقائع والتواريخ للنشاط الإرهابي الإيراني منذ الثورة التي قادها آية الله الخميني في العام 1979. كان البيان طويلا ما يكفي للاحاطة بقضايا عدّة. تضمّن 58 فقرة، تتعلّق كلّ منها بحادث ارهابي معيّن.

لم يقتصر الأمر على العمليات الإرهابية التي استهدفت المملكة العربية السعودية والتي كانت ايران وراءها. كان واضحا انّ هناك الماما سعوديا بالتفاصيل الدقيقة التي احاطت بظروف كلّ عملية ارهابية مع الإشارة الى انّ «المملكة مارست سياسة ضبط النفس طوال هذه الفترة، على الرغم من معاناتها المستمرة مع دول المنطقة والعالم من السياسات العدوانية الإيرانية«.

ما نشرته الخارجية السعودية كان «ورقة حقائق« بالفعل. الحقائق مدعومة بالأرقام والتواريخ والأسماء مع شرح لموقف المملكة من البرنامج النووي الإيراني، ذلك ان الرياض لم تعترض على هذا البرنامج في حال كان سلميا ولم تعارض الإتفاق في شأن الملف النووي الإيراني الذي قبلت به الولايات المتحدة. كلّ ما في الأمر ان السعودية «ايّدت علنا اي اتفاق يمنع حصول ايران على السلاح النووي ويشمل آلية تفتيش صارمة ودائمة مع امكان اعادة العقوبات في حال انتهاك ايران لهذا الاتفاق، وهو الأمر الذي اكّدت عليه الولايات المتحدة«.

في النهاية، يبدو مشروعا ان تطرح السعودية وكلّ دول المنطقة سؤالا في غاية البساطة: هل ايران دولة طبيعية تريد العيش بسلام وامان مع جيرانها، ام تعتبر نفسها قوّة اقليمية ذات مشروع توسّعي مكشوف؟

اجاب بيان الخارجية السعودية عن السؤال بانّ «على ايران ان تحدّد ما اذا كانت ثورة تعيش حالا من الفوضى وتضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية، او انّها دولة تحترم الاتفاقات والمعاهدات الدولية ومبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى«.

ليس سرّا ان بيان الخارجية السعودية لا يستهدف ايران فقط. انّه يذكّر الادارة الأميركية بالعمليات الإرهابية التي استهدفت مواطني الولايات المتحدة من عسكريين ومدنيين. هل في واشنطن من يريد ان يتذكّر من جهة وان يستوعب ان الملف النووي الإيراني لا يختزل كلّ مشاكل المنطقة من جهة اخرى؟ 

يُفترض في الإدارة الأميركية ان تطرح على نفسها السؤال نفسه الذي طرحته دول الخليج: هل تغيّر شيء في ايران بعد التوصل الى اتفاق بينها وبين مجموعة الخمسة زائدا واحدا في شأن الملفّ النووي؟

من الواضح ان الإدارة الاميركية في عالم آخر. لذلك كان لا بدّ من تذكيرها بنسف السفارة الاميركية في بيروت في العام 1983. قتل في العملية الارهابية التي تقف وراءها ايران عدد كبير من الاميركيين. ما لم تذكره وزارة الخارجية ان بين الذين قتلوا كبار ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي. آي. إي) في بلدان الشرق الاوسط. على رأس هؤلاء كان بوب ايمز المسؤول وقتذاك عن المنطقة في الوكالة والدي سبق له ان عمل في ايران وكان اوّل من نبّهها الى احتمال حصول هجوم عراقي عليها في العام 1980. هذا على الاقل ما اورده كاي بيرد في كتابه «الجاسوس الطيّب« الذي يروي قصة بوب ايمز الذي اقام اول علاقة بين الادارة الاميركية ومنظمة التحرير الفلسطينية عن طريق علي حسن سلامه (ابو حسن).

في ظلّ السياسة الجديدة للسعودية، لم يعد مجال للتستر على الحقائق، بما في ذلك تورّط ايران في تفجير الخبر في العام 1996 وعلاقتها بـ«القاعدة« وايوائها قياديين من هذا التنظيم الارهابي.

لم يعد من مجال لأنصاف حقائق ومراعاة لهذا الطرف او ذاك في وقت تتعرّض السعودية في عهد الملك سلمان لهجمات من جهات مختلفة على رأسها ايران.

باختصار، هناك سياسة سعودية مختلفة بدأت تتبلور منذ حصول التدخل في البحرين لوضع حدّ للاطماع الايرانية. اخذت هذه السياسة بعدا جديدا عندما وقفت المملكة الى جانب الثورة الشعبية في مصر، وهي الثورة التي اخرجت الاخوان المسلمين من السلطة في حزيران ـ يونيو 2013. لم يكن من مجال لحلول وسط عندما بدأت ايران تتسلل الى مصر عن طريق الاخوان المسلمين.

لكنّ نقطة التحوّل الحقيقية كانت في اواخر آذار ـ مارس الماضي في اليمن. اتخذ الملك سلمان بن عبدالعزيز قرارا بالتدخل لوضع حدّ للنشاط الايراني التوسّعي في اليمن. ما نشهده اليوم تابع لـ«عاصفة الحزم«.

كان قطع العلاقات مع ايران بعد احراق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد حلقة في المسلسل الذي بدأ بـ«عاصفة الحزم« والذي لا يمكن ان ينتهي سوى بتحقيق الهدف المطلوب في اليمن بغض النظر عن التضحيات. بكلام اوضح، لا يمكن للسعودية ودول الخليج القبول بان يكون اليمن مستعمرة ايرانية، كما حال لبنان حاليا.

كان بيان الخارجية السعودية، الذي ترافق مع مقال نشره الوزير عادل الجبير في «نيويورك تايمز« ردّا على وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف، تتويجا لمرحلة جديدة لا تقبل فيها الرياض اي تردّد من اي نوع. من ايجابيات المقال الذي نشره ظريف انّه كشف ان ضحكة الوزير الايراني ليست سوى قناعا يغطي جانبا من مشروع توسّعي ذي طابع عنصري لا اكثر. 

تتسم هذه المرحلة الجديدة بالوضوح والاقدام والجرأة. الامر لم يعد مقتصرا على تسمية الاشياء باسمائها والعمل على استعادة اليمن فحسب، بل يشمل ايضا سياسة اقتصادية تتلاءم والمرحلة واصلاحات تأخذ في الاعتبار ان الحرب على الإرهاب بكل اشكاله، الشيعية والسنّية، ستكون حربا طويلة، بل طويلة جدا.

تدور هذه الحرب على الارهاب في ظلّ الهبوط، الذي لا سابق له، لاسعار النفط جعل الاقتصاد الروسي يترنّح وفي ظلّ معطيات دولية تفرض عدم الرهان باي شكل على سياسة اميركية تتسم بالحد الادنى من الواقعية والفهم لما يدور في الشرق الاوسط. 

هل من دليل على مدى السذاجة الاميركية، او الانحياز الى طهران، اكثر من التغاضي عن الجرائم التي ترتكبها الميليشيات المذهبية التابعة لايران في المناطق العربية ذات الأكثرية السنّية في العراق او في سوريا؟ 

لماذا ترفض الادارة الاميركية سماع شيء عما يدور في محافظة ديالى العراقية او بلدة مضايا السورية على سبيل المثال وليس الحصر؟

نحن امام شرق اوسط جديد، ولكن امام السعودية الجديدة ايضا. الاكيد ان البيان الصادر عن وزارة الخارجية في الرياض لن يكون الاوّل والاخير من نوعه.