التوقيع على مذكرة التفاهم الإطارية للصندوق السعودي الفرنسي لدعم الشعب اللبناني الثلاثاء الماضي حمل الكثير من الأبعاد السياسية، بالتزامن مع التحولات المنتظرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي في لبنان بالتزامن مع تغييرات في خريطة الصراعات في المنطقة.
فالميزانية الأولية للصندوق التي أعلن عنها تبدو متواضعة قياساً إلى الحاجات اللبنانية المتعاظمة، وقياساً إلى الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة. فمبلغ الـ72 مليون يورو الذي تتقاسمه فرنسا والمملكة العربية السعودية مناصفة، موجّه إلى المساعدات الإنسانية إلى اللبنانيين مباشرة. أي أنه لن يتم تسليم أي فلس منه للدولة تجنباً لهدر المشاريع الاجتماعية والصحية والتربوية وتلك المتعلقة بأجهزة الأمن، في انتظار إمساك اللبنانيين بقرارهم بدل بقائه في يد طهران و»حزب الله»، وحزمهم أمرهم في شأن تنفيذ الإصلاحات. وإذا كان بعض الأوساط اللبنانية يمنن النفس بإمكان زيادة هذا المبلغ سواء من باريس والرياض أو من غيرهما من الدول الخليجية، فإن على هذه الأوساط ألا تغتبط كثيراً لذلك، لأن هذا يعني أن المساعدات ستبقى مقتصرة على الجانب الإنساني دون الاقتصادي. وبالتالي فإن أقصى ما سيقوم به الصندوق هو التخفيف من المآسي المتوالدة حكماً في المرحلة المقبلة، طالما تنفيذ الإصلاحات متأخر والبلد باقٍ منصة إطلاق صواريخ لمصلحة طهران.
الصندوق رسالة سياسية إضافة إلى دوره الإغاثي، أولاً لأنه باكورة العودة الخليجية إلى البلد والتي تقلق الفرع اللبناني لقوى الممانعة. وهو ثانياً يرمز إلى الحضور السياسي والمناطقي والقطاعي عبر المشاريع، في مواجهة سعي «حزب الله» إلى التمدد نحو الجبل الدرزي والمسيحي، وبيروت وعكار وطرابلس في الشمال السني، عبر ضخ بعض المساعدات المالية وإدارة معارك حلفاء له لإحداث اختراقات انتخابية في الطوائف الأخرى. وهو ثالثاً تهيؤ للتبدلات الممكنة على الصعيد الإقليمي، ومن بينها، إذا صحت المعطيات عن أن الحوار السعودي الإيراني يحدث تقدماً، سواء أكان عبر اجتماعات بغداد، أم عبر لقاءات تجري في عُمان في شأن اليمن. فأي استرخاء على الصعيد الإقليمي، لا بدّ من أن يحصد لبنان انعكاسات إيجابية على أحواله.
خلافاً للاعتداد بالنفس من قبل الحزب فإن خطوات التهدئة الإقليمية تقلقه، على رغم أنه مطلع على تفاصيل ما تتوصل إليه طهران والرياض. إلا أنه من غير السهل على قيادته أن تتراجع عن المكاسب المصطنعة التي حققتها في غفلة الزمن التي أتت برجل مطيع لها أكثر مما تتوقع، إلى الرئاسة الأولى في لبنان. إعتادت هذه القيادة حكم البلد من خلف الموقع الأول في السلطة، إلى درجة التدخل بأدقّ التفاصيل انطلاقاً من قصر بعبدا، وأروقته، سواء أتعلق الأمر بإدارة شؤون الداخل أم بصلات لبنان الدبلوماسية الخارجية.
ولو لم يكن الحزب قلقاً من خسارة هذا الموقع في حال تغيرت الأحوال الإقليمية، أو في حال خسارته الأكثرية البرلمانية، لما كان مناصروه يقومون بممارسات التهديد والوعيد في حق منافسي لوائحه في الجنوب إلى درجة منعهم من إعلان لائحة، ولما أفلت جماعته لترهيب مرشحين في الدائرتين الثانية والثالثة في الجنوب، الذين ينذرون مرشحي المجتمع المدني أو رموز ثوار 17 تشرين، رغم نجاحه في دفع بعضهم إلى تشكيل لوائح متعددة من أجل خفض الحاصل الانتخابي لضمان نجاح حلفائه. ولولا خشيته من خصومه لما مارس ضغوطاً من أجل سحب ثلاثة من المرشحين الشيعة على لائحة التحالف مع حزب «القوات اللبنانية» في البقاع الثالثة، بعد أن سحب غيرهم من حلفائه المتخاصمين، حتى لا تتشتت أصواتهم.
يجهد الحزب لتبديد قلقه عبر الإدارة التفصيلية للانتخابات حتى في مناطق حلفائه، نظراً إلى أن بعضهم مشتت هو الآخر لأن هذه الصفة لا تقتصر على بعض القوى التغييرية التي تعددت لوائحها. فالتناقضات بين حلفاء الحزب وحتى داخل الحزب الواحد أحياناً وعلى اللائحة الواحدة، ستذهب بهم إلى حد التعامل مع بعضهم كأعداء وخصوم، في توزيع الصوت التفضيلي.
وسواء أَنجح الحزب في تبديد قلقه الانتخابي أم لم ينجح، فإن هاجس ما يشهده الإقليم سيبقى ماثلاً أمامه، من أن الدول تترقب تغييراً في طبيعة المشهد السياسي اللبناني، حتى لو كان بطيئاً. فهو مسار قد لا يتم إلا على مراحل.