ليس عابراً أن يعلن رئيس «اللقاء الديموقراطي« النائب وليد جنبلاط في أول تعليق على زيارته للمملكة العربية السعودية ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ارتياحه إلى هذه الزيارة التي لمس خلالها «حرص» المملكة على استقرار وأمن ووحدة لبنان، وعلى «ضرورة» انجاز الاستحقاقات الدستورية وأولها رئاسة الجمهورية، فهذا «الحرص» برأي مصدر اشتراكي مطّلع يؤشر إلى «إدراك المملكة للدور السياسي الهام الذي أداه جنبلاط من خلال انتهاجه الوسطية والوقوف على مسافة واحدة من فريقي النزاع الداخلي في لبنان».
ويشدّد المصدر لـ»المستقبل» على أن خيار جنبلاط السياسي «اتاح له أن يحمي الاستقرار اللبناني الهش إزاء الأعاصير الإقليمية والنيران السورية الملتهبة، وسمح له بفتح قنوات وخطوط الاتصال مع مختلف الفرقاء السياسيين في وقت كانت القطيعة تامة بينهم«.
ويضيف «لقد نجح جنبلاط بالتعاون والتنسيق التام مع صديقه رئيس مجلس النواب نبيه بري وبمباركة من الرئيس سعد الحريري، بإعادة جمع تيار المستقبل وحزب الله إلى طاولة الحوار رغم اختلافهما العميق حول عناوين كبيرة، ما أدّى إلى تخفيف الاحتقان إلى حد ما وإبعاد شبح الفتنة عن البلد».
وإذا كانت المملكة قد أكّدت مراراً وليس عبر المواقف العلنية فحسب، بل بخطوات تنفيذية تمسّكها باستقرار لبنان ودعمها لمؤسساته الشرعية، فإن هذه الخطوات كانت ملموسة بدءاً من رعايتها لمؤتمر «الطائف» الذي أنهى الحرب الأهلية مروراً بالتقديمات النقدية بعد حرب «عناقيد الغضب» الاسرائيلية في العام 1996 والمساعدات المالية لإعادة إعمار لبنان بعد حرب تموز 2006 والايداعات في مصرف لبنان لدعم الاقتصاد اللبناني المترنّح، ناهيك عن الجهود الكبيرة لجمع دول العالم في مؤتمري «باريس 1» و»باريس 2» و»مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان»، وصولاً إلى الهبة غير المسبوقة للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار لشراء أسلحة فرنسية ومليار دولار آخر لدعم القوى الأمنية في حربها ضد الارهاب.
ومثلما كانت المملكة ولا تزال تقف إلى جانب الشرعية اللبنانية، وتدعو إلى ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية لكي تعود المؤسسات الدستورية إلى العمل بشكل الطبيعي، فإن المبادرات التي سعى جنبلاط إلى تسويقها من خلال موقعه «الوسطي» كما يقول المصدر، «تتماهى بشكل كبير مع النداءات السعودية، خصوصاً وأن جنبلاط شدّد مراراً على وجوب التوصل إلى تسوية لإنقاذ ما تبقّى من الدولة التي تنهار نتيجة تصلّب وتعنّت فريقي النزاع، وهو مصرّ على الاستمرار في جلسات الحوار إلى حين نضوج التسوية الاقليمية الكبرى».
وفي هذا السياق، ذكّر مفوض الإعلام في الحزب «التقدمي الإشتراكي« رامي الريّس بـ «العلاقة التاريخية التي جمعت القيادة السعودية بآل جنبلاط منذ أيام الشهيد كمال جنبلاط وامتدت حالياً مع رئيس اللقاء الديموقراطي»، مشيراً إلى أنه «صحيح أن العلاقة شابها في حقبة معينة بعض سوء الفهم لا سيما بعيد إنهيار المسعى السوري- السعودي الذي إشتهر آنذاك بـ سين-سين وعلى مشارف صدور القرار الظني في قضية إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وهو ما أدّى إلى توتّر المناخ الداخلي بشكل هائل آنذاك، إلا أن الأحداث أثبتت أن الخيار الذي إنتهجه جنبلاط ساهم إلى حد بعيد بحماية الإستقرار والسلم الأهلي، وأن ما أنفقه من رصيده السياسي والشعبي لأجل تحقيق هذا الهدف قد نجح فيه بشكل كبير وقدم دليلاً إضافياً أن قراءته للأحداث صائبة كما في كل مرة حتى لو أثير حولها بعد صدورها الكثير من الضوضاء السياسية والإعلامية«.
وأوضح الريّس لـ «المستقبل» أن «إنتقال جنبلاط إلى الوسط وتمايزه السياسي في العديد من المفاصل والمحطات عن فريقي النزاع إنما أتاح له إطفاء الكثير من النيران الداخلية وهو ما يتقاطع بشكل أو بآخر مع السياسة السعودية التي لطالما عبرت عن إنحيازها إلى تغليب وتعزيز منطق التفاهم بين اللبنانيين وتكريس وحدتهم الوطنية وعيشهم المشترك فوق كل الإعتبارات الأخرى».
ويعود المصدر إلى تأكيد «صوابية خيار جنبلاط الوسطي»، مشدّداً في هذا الإطار على أن «النهج السياسي السعودي المعتدل، والحرص على مؤسسات الدولة اللبنانية، إنما يعزّز من موقع جنبلاط الوسطي ويدفعه إلى المزيد من المبادرات التوافقية التي ستحظى بترحيب ومباركة من المملكة العربية السعودية، خصوصاً في ما يتعلّق بدعم عمل حكومة المصلحة الوطنية وإعادة الروح إلى مجلس النواب بانتظار التوصل إلى التسوية المتعلقة بالانتخابات الرئاسية».
وإذا كان جنبلاط عبّر عن تشاؤمه من صعوبة التوصّل إلى تسوية قريبة في ملف الانتخابات الرئاسية، مشيراً في حديث صحافي إلى أن «هذا الأمر فعلياً يحتاج الى معادلة اقليمية اسمها السعودية ـ ايران«، إلا أنه بالمقابل يشدّد على أنه «لا بد من وجود رئيس جمهورية وإلا ندخل في حلقة الخطر على الدولة«، مؤكداً أنه لا يرى أن «من مصلحة أحد، سواء السعودية أو ايران أو غيرهما، أن تصل الامور في لبنان الى مرحلة إهتراء الدولة كما نشهد حالياً«.
ويضيف المصدر «استطيع أن اقرأ من كلام جنبلاط أمس أن الاتصالات التي تدور في كواليس دول القرار الاقليمية والدولية، قد تنتج في مرحلة ما، وقد تكون قريبة، تسوية لانتخاب رئيس للجمهورية، لأن الدولة على مشارف الانهيار الكامل، والمظلة التي يقال انها تحمي لبنان لغاية اليوم لن يكون باستطاعتها ردّ رذاذ الانهيار إذا وقع وليس في ذلك مصلحة لأحد«.
ويختم المصدر مشدّداً على أن «جنبلاط سيبقى في موقع الوسط ولن ينحاز إلى أي فريق ضد آخر وهذا الموقع برأيي عزّزته مباحثاته في المملكة».