IMLebanon

التدخل السعودي والخليجي في اليمن: شجاعة المسؤولية والقرار!

نسخة للطباعة Send by email  سيطر اليمن على أفئدتنا وعقولنا منذ سقوط عمران فصنعاء في خريف عام 2014. وعلى وقْع الانهيارات المتتالية في إدارات السلطة والجيش والأمن أمام ميليشيات الحوثيين، وكتائب علي عبد الله صالح، كنا نسارع للمقارنة بين ما حصل بسوريا والعراق ولبنان وما يحصل في اليمن، وأي السيناريوهات هو الأقرب للحدوث، وما مصير أو مصائر الدولة اليمنية والشعب اليمني، وسط الاحتفالات الإيرانية بالاستيلاء على العواصم التاريخية للعرب في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء!

ما بقي شعبٌ عربي تحرك للتغيير إلا عوقب. كان ينبغي أن يستمر القذافي وعلي عبد الله الصالح والمالكي وبشار الأسد وزين العابدين للأبد. وقد اتخذ العقاب أشكالا مختلفة، وأولها استمرار الرئيس أو عودته من مثل ما حصل ويحصل مع الأسد وصالح والمالكي. وثانيها (وهو جزءٌ من الأول) الاستنصار بالميليشيات المحلية الطائفية الشيعية أو القاعدية أو الإخوانية. وثالثها الاستنصار بإيران علنا ليصبح عساكرها ميليشيا رئيسية ساعة لاستعادة شرعية (الممانعة)، وساعتين لتحقيق أهداف «الثورة». وقد قال لنا الجنرال سليماني قبل أيام إن أهداف الثورة هي التي وضعها الإمامان الخميني وخامنئي، ويا للهول!

لقد ظهرت هذه «العقوبات» أو لاحتْ معالمها منذ العام الأول لحركات التغيير في سوريا والعراق.. ومن قبل في لبنان. يتحرك الناس أو لا يتحركون. لكنهم في الحالتين لن ينجوا من «ظهور» ميليشيا مسلَّحة تتغلب على دولتهم وحياتهم، وتحدد لهم سلوكهم ومسالكهم وسياسات دولتهم الخارجية، وتنهب مواردهم، وكل ذلك باسم الممانعة والمقاومة والتحرر.. والانتقام لمظالم أهل البيت! ولا يحسبنّ أحدٌ أنّ ذلك ظلَّ قصرا على الميليشيات الشيعية/ الموالية لإيران. فالميليشيات الليبية التي ظلّ قادتها لسنواتٍ وسنوات ينتقدون تخلي القذافي عن بناء الدولة الحديثة والعصرية، طمحوا لسلطاتٍ في قرى ودساكر ليس لها من معالم الدولة غير لقب «أميرها» الميمون! وكما يقول المثل الشعبي «عندما يغضب الله على قوم يقلبُ ليلهم نهارا وشتاءهم صيفا»! تصوروا الشعب الفلسطيني الذي يقاتل منذ عام 1929، تقسم نضاله ليس حركة يسارية أو إمبريالية، بل حركة إسلامية، ميليشيا إسلامية، هَمُّ الذين دفعوها أن تكون شوكة في خاصرة مصر لا أكثر ولا أقلّ!

في وجه الديكتاتوريات الخالدة، والميليشيات الصاعدة، وهي جميعا في بلدان الأنظمة العربية الأمنية والعسكرية القائمة منذ عقود وعقود – في وجه ظواهر الشذوذ والاستثناء هذه، برز التردد العربي، وبرز الانقسام العربي: تجتمع دول الاتحاد الأفريقي من أجل معالجة مشكلة ما فتتكون بعثة للوساطة، وإن لم تنفع الوساطة تتكون قوة تدخل أفريقية لاستعادة الشرعية في البلد المعني. والدول الأفريقــية فقيرةٌ في معظمها، لكنها لا تطلب مساعدة الأمم المتحدة إلا بعد اتخاذ القرار. أما الدول العربية، وفي وجه المـيلـيشيات، والأنظـمة المتحولة إلى ميليشيات قاتلة؛ فإنها تجتمع لتختلف وتنفضّ. وتعجز حتى عن إحالة هذا الأمر أو ذاك إلى الأمم المتحدة. وقد أدرك الخليجيون ذلك منذ نهاية عام 2011، فانصرفوا عن اجتماعات الجامعة، إلى مجلس التعاون، ومن هذا الطريق أنقذوا البحرين، واعتقدوا أيضا أنهم أنقذوا اليمن!

يتحدث أهل المعاذير اليوم عن «مسؤوليات» على الرئيس هادي، وعلى أطراف الحوار من أحزاب اللقاء المشترك. وبالطبع لا يخلو طرفٌ من المسؤولية. لكنّ الذي ينساه هؤلاء الاعتبار بما حصل في لبنان وسوريا والعراق بل وغزة. إنها ميليشيات من طبيعة خاصة. وهي تريد ركوب السلطة بأي ثمن. وتريد في الوقت نفسه إعلان الولاء الاستراتيجي لولاية الفقيه. هذه الحركات المتطرفة هي حركاتٌ انشقاقيةٌ وهي من طبيعة خاصة وجديدة ما عرفتها مجتمعاتنا من قبل. وقد كان من سوء حظ الشعب الإيراني أن الانشقاق في المذهب هذا سيطر على رأس الدولة، بينما لم تستطع الانشقاقات السنية السيطرة في دولة سنية وسطى أو كبرى. الانشقاق يحكم في إيران بالميليشيات المسلَّحة، فكيف تريده أن يصغي لنداءات الديمقراطية والانتخابات وحكم الدستور والقانون في لبنان والعراق.. واليمن؟!

الأطراف اليمنية مخطئة في الحسابات والتقديرات. بيد أن أكبر أخطائها ليس حبها للسلطة فقط، بل سوء فهمها هي وعلي عبد الله صالح للحوثيين ومشروعهم. فما صارت المشكلة طائفية في اليمن إلا معهم، لأنهم يملكون ذهنيةً ونفسيةً وتعليما – هذه الأمور كلها – ليست من التربة اليمنية، ولا حتى من التربة الشيعية الإمامية أو الزيدية؛ بل هي من تربة أو صخر ولاية الفقيه الانشقاقية الجديدة. إن الطريف أن علي عبد الله صالح، الذي سخر الجيش اليمني لخدمتهم فقضى عليه، هو الأقدم في التعامل معهم حربا وسلما. وقد رأيتُه عام 2004، وكان قد ذهب للحج من طريق صعدة وعاد من طريق آخر، فقال أمامي إنه منذ ووجه في مسجد الهادي بصعدة بصرخات: «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، الموت للنواصب (!)».. أدرك أن هناك ظاهرة جديدة وبدعة ما عرفها اليمن من قبل! وقلت له: يا سيادة الرئيس، ولا إيران عرفتها قبل عام 1979! عبد الكريم الإرياني، شيخ سياسيي اليمن، يعتقد أن صالحا تغير بعد احتراقه في محاولة اغتياله. أما الحوثيون فقد تغيروا بعد أن طالبتهم إيران بالاندفاع عشية ظهور المهدي والقحطاني والخراساني في وجه السفياني والحضرمي!

لقد اعتاد الإيرانيون والأتراك (وربما الأميركيون والروس والأوروبيون) على التردد العربي، واختفاء الفروق بين الكبار والصغار عندهم. فالمشكلة الأولى هي مشكلة الأحجام. بيد أن هناك مشكلةً أخطر هي مشكلة المسؤولية. فالأكثرون لا يعتبرون أنهم مسؤولون. وإذا اضطروا للاعتراف بذلك وضعوا المسؤوليات على عاتق القوى الكبرى وبخاصةٍ الولايات المتحدة. ثم هناك العامل الثالث: لماذا أنا وليس أنت؟ لكن اليوم يتبين، بل تبين من أيام الملك فيصل رحمه الله، أنّ هناك مركزا للقرار العربي لا يلين ولا يهين!

إنّ التدخل السعودي والخليجي في اليمن له معنيان: معنى إعادة الاحترام للشرعية القائمة على إرادة الناس الذين احتقرهم الإيرانيون، وسلكوا إزاءهم مسلكا عنصريا وطائفيا. ومعنى إعادة الاعتبار للعرب ومداهم الاستراتيجي، وبلدانهم ودولهم وجيوشهم (وليس ميليشياتهم!). لقد عادت دائرة الاستقرار والقرار في الخليج لتقرر وتضرب وتحسم لصالح الشرعية، وصالح الإنقاذ اليمني، والإنقاذ العربي، وإذا نجت صنعاء وعدن فقد نجا العرب: نعم.. لا بد من صنعا وإن طال السفر!