IMLebanon

التدخّل السعودي في سوريا بين الإستبعاد والإحتمال

ناصر شرارة

هل تصريحات المسؤولين السعوديّين عن احتمال تدخّل الرياض برّاً في سوريا، هي مجرّد مناورة تهويل أم أنّ لديها فعلاً أساساً مادّياً واقعياً داخل بيئة القرار السعودي؟!

الإجابة عن هذا السؤال شغلت جزءاً كبيراً من المراسلات الديبلوماسية الواردة إلى بيروت هذا الأسبوع، بحسب مرجع سياسي لبناني، وخلاصتُها مَيلٌ مبدئيّ لاستبعاد التدخّل السعودي البرّي في سوريا، مع عرض لتوقّعات عن المنطقة الجغرافية التي سيَحدث فيها في حال حصَل كمفاجأة تُكرّر في سوريا مفاجأةَ تدخّل الرياض في اليمن.

وقبل استعراض ما جاء في هذه التقارير عن احتمالات تدخّل سعودي برّي في سوريا، يَجدر التوقّف عند بعض الوقائع الميدانية التي لفتَت انتباه الكواليس الدولية خلال الأيام القليلة الماضية: أوّلها يؤشّر إلى سلوك أنقرة المستجد الذي تميَّز خلال الاسبوعين الاخيرين بتكثيف المدفعية التركية عمليات قصفِها المناطقَ الشمالية السورية المحاذية للحدود التركية، وهو تصرّف قرَأ فيه الروس خصوصاً أنّه يدلّ على التمهيد لتدخّل أنقرة العسكري في سوريا.

لكنّ المصادر عينَها تلفتُ إلى أنّ واشنطن تعارض التدخّل العسكري البرّي التركي في مناطق الأكراد في سوريا، علماً أنّ هذه المناطق هي التي تتعرّض الآن للقصف المدفعي التركي.

والمعطى الثاني الذي أشارت إليه هذه التقارير، منسوب الى مصادر روسيّة موثوقة، وخلاصتُه تأكيدها أنّه في حال أقدمَ الأتراك على التدخّل البرّي في سوريا بلا تنسيق مسبَق مع الحكومة السورية، فهُم سيتعرّضون للمواجهة من الجيش السوري والقوات الجوّية الروسية العاملة ضمن إطار عاصفة «السوخوي».

أمّا المعطى الثالث فهو يَنقل عن مصادر في الأمم المتحدة تأكيدَها أنّ الجهة الوحيدة القادرة على التدخّل برّاً في سوريا هي الاميركيون، ولكنّهم لم يفعلوا ذلك لأسباب أميركية داخلية، أهمُّها انشغالهم بالانتخابات الرئاسية، إضافةً إلى عدم رغبة الرئيس باراك أوباما الحاسمة في التدخّل البرّي.

ماذا عن احتمال التدخّل السعودي؟

ترى التقاريرُ عينُها أنّ تصريحات مسؤولين سعوديين عن التدخّل في سوريا، أتَت لتستجيبَ لطبيعة المرحلة السياسية التي ستَدخلها الأزمة السورية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وأبرزُ سماتِها دخول المسعى السياسي الدولي لحلّ هذه الأزمة مناخَ الجمود في انتظار انتهاءِ فترةِ انشغال الولايات المتحدة الأميركية بانتخاباتها الرئاسية التي تستمرّ لنحو أكثر مِن عام.

وتشكّل هذه المناسبة بالنسبة إلى محورَي الأزمة السورية (إيران والسعودية) حافزاً لإطالة أمدِها إلى حين اتّضاح مَن سيَصل الى البيت الأبيض: هل هم الجمهوريون الذين يراهن الأتراك والسعوديون على أنّهم سينتهجون خيارات مغايرة لخيارات أوباما الحاليّة المتناغمة مع موسكو والمتساهلة في رحيل الرئيس بشّار الأسد والمنفتحة على أدوار إيرانية في المنطقة؛ أم أنّ مَن سيصل هم الديموقراطيون الذين يرتاح الى بقائهم محور النظام السوري وطهران وموسكو.

ويتوقّع على نطاق واسع ملء الفترة الفاصلة بين فشَل الجولة الأولى من «جنيف ٣» ولحظة انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية بعد اكثر عام، بنوع من السباق المحموم الذي سيَشهده الميدان السوري، وذلك بين أجندتين اثنتين: أجندة موسكو التي يتراصَف خلفَها النظام السوري والإيرانيون و»حزب الله»، وهدفُها ملء الوقت الرمادي الفاصل بتحقيق إنجازات عسكرية داخل بقعة الدولة السورية المفيدة: أي في المنطقة الممتدة من الحدود السورية مع لبنان حتّى درعا مع الحدود الأردنية والقنيطرة مع حدود احتلال إسرائيل للجولان، إضافةً إلى ضمّ المدن وخصوصاً حلب والمنطقة الساحلية إلى هذه السيطرة. والهدف الثاني لهذه الأجندة هو حشرُ المعارضة الرافضة التفاوضَ مع النظام في منطقة «داعش» لتصبحَ لها الهوية التكفيرية نفسها.

أمّا الأجندة الثانية فيقودها السعوديون بالتشارك مع تركيا، وقد تتناغَم معها واشنطن بشروط محدّدة، ويتمّ التعبير عن إرهاصاتها في هذه اللحظة من خلال التصريحات السعودية عن أنّ الرياض ستتدخّل برّاً في سوريا وذلك وفقَ المبرّر نفسِه الذي استخدمَته موسكو، أي مقاتلة «داعش».

وقبل أيام تقصّدَت الرياض تسريبَ التصريحات عن تدخّلها عبر أهمّ منبر إعلامي أميركي، وهدفُها مِن ذلك إعطاءُ احتمالات حدوث هذا التدخّل أقصى نسبة من الجدّية.

سيناريو التدخّل السعودي

ووفقَ هذه التقارير، فإنّ السؤال الذي يطرَح نفسَه في حال حصَل فعلاً سيناريو التدخّل البري السعودي، هو أوّلاً، بأيّ حجم؟ وهنا يُشار إلى إشكالية الاعتماد على الجيش المصري، كون القاهرة تطرَح نظرية التدخّل العربي في ليبيا أوّلاً وتعارضها في هذا المجال الجزائر.

وثانياً – على أيّ جبهة سيَحدث التدخّل السعودي؟ هل مِن جبهة الأردن؛ أي من منطقتي درعا والقنيطرة حيث لا وجود لـ»داعش» فيهما؟ أم من الصحراء عبر خط يمتدّ من شرق السويداء للوصول الى الصحراء ثمّ ريف دمشق وصولاً إلى تدمر والبوكمال ودير الزّور؟ أم مِن جهة تركيا إلى جرابلس؟

وترشّح هذه التقارير حصولّ التدخّل السعودي في حال ثبتَت جدّيته، من الصحراء إلى تدمر والبوكمال ودير الزّور، وذلك من معبر حدودي بين العراق والسعودية قريب من الاراضي السورية، كانت «داعش» سيطرَت عليه لفترة.

وفي حال سلكَ التدخّل السعودي من هذا المعبر الصحراوي في اتّجاه سوريا سيتّضح حينها أنّ هدف الرياض هو «ترتيب الدويلة السنّية في الشرق السوري وغرب العراق»، سواء كانت «داعش» موجودة فيها أو غيرها، وذلك في مقابل سعي الروس والإيرانيين إلى ترتيب أوضاع دويلة «سوريا المفيدة».

وتميل هذه المصادر إلى الاعتقاد بأنّه لا يوجد مجال لتدخّل السعودية لا من الشمال ولا من ناحية درعا. ويبقى المجال الوحيد المتاح هو التدخّل في المنطقة الشرقية التي تؤمّن عدمَ الاصطدام بالجيش السوري المحمي مِن المنظومة الجوّية الروسية وقوى تابعة لإيران.

هناك تقدير بأنّ الاميركيين لن يمانعوا هذا النوع من التدخّل البرّي السعودي، في حال ضمنَت لهم الرياض أنّه سيؤدي إلى استبدال نموذج أبو بكر البغدادي (الدولة الإسلامية – داعش) بنموذج الائتلاف الوطني السوري «السنّي» المعارض.

ومثل هذا التدخّل يؤمّن ثلاثَ مزايا تخدم الحلّ السياسي في سوريا:

ـ الأولى، أنّ التدخّل السعودي العسكري البرّي سيتمّ في مناطق لا يوجد فيها جيش سوري، ما يُجنّبه الصدامَ مع النظام وبالتالي مع سلاح الجوّ الروسي.

ـ الثانية، التدخّل السعودي البري بحسب السيناريو الآنف لن يصطدم أيضاً بالأكراد الذين ينعمون بحماية أميركية.

ـ الثالثة، أنّ التدخّل السعودي الهادف إلى ترتيب المنطقة السنّية الخاضعة للمعارضة السنّية (بديل «داعش»)، والواقعة خارج حدود دولة «سوريا المفيدة»، سيَخلق إمكانية توازن عسكري بين محورَي الأزمة السورية، ما يسَهّل عملية نصبِ طاولة مفاوضات للحلّ في سوريا. علماً أنّ المشهد الميداني الراهن غير متوازن ويميل بثِقل لمصلحة النظام والمحور الروسي ـ الإيراني.

وتحمّل المعارضة وداعموها هذا الوضع المسؤولية عن فشل أوّل جولة من «جنيف ٣»، كما أنّ معارضة الرياض اعتبَرت أنّ اختلال التوازن العسكري يشكّل سبباً جوهرياً يَدفعها لعدم المشاركة في المفاوضات، لافتةً إلى أنّ مشاركتها المستقبلية ستَحصل فقط في حال حصَل تغيير في ميزان القوى العسكري على الأرض السورية.

هل تنتظر المعارضة التدخّل السعودي لتُحقّق ميزتين: تصفية «داعش» في المنطقة الواقعة خارج دولة «سوريا المفيدة»، وترتيب بيت المعارضة في هذه المنطقة؟ وبالتالي هل طرحَ السعوديون خيارَ تدخّلهم في سوريا للفتِ نظر اميركا الى اهمية السعي لتشكيل قوّة حفظ سلام عربية أو دولية في منطقة المعارضة تضرب «داعش» وتحفظ الأمن فيها وتُنشئ منطقة المعارضة السنّية البديلة لنموذج البغدادي، تمهيداً لعقد طاولة مفاوضات بين الدويلة السورية المفيدة الجاري رسم حدودها بدعم جوّي روسي، ودويلة المعارضة المعتدلة التي لا تزال نهباً لـ«داعش» نظراً إلى عدم وجود دعم إقليمي عربي ودولي مباشَر لها؟!