مِن المُرتقب ان تدور المحركات الدبلوماسية والداخلية بأقصى طاقتها عند انتهاء عطلة عيد الفطر، لفك الصيام الرئاسي ومحاولة «توليد» اسم رئيس الجمهورية الذي لا تزال أحرفه مبعثرة ومتعثرة.
هناك من يرجّح ان تتبلور، بعد العيد، معالم التسوية الخارجية حول لبنان، بعدما تكون قد اكتملت مكوّناتها في الوعاء الفرنسي، ونضجت على النار الاقليمية التي انتقلت من ان تكون سبباً للحرائق الى مصدر لـ«الدفء» في الساحات التي كانت مسرحاً للمواجهات بين السعودية وحلفائها ومحور المقاومة والممانعة.
ولأنّ للاتفاق السعودي – الايراني ديناميته التلقائية والعابرة للحدود، فإنّ وصول زَخمه الى لبنان لا يعدو كونه مسألة وقت، والمهم بالنسبة إلى اللبنانيين العاديين اختصار هذا الوقت قدر الإمكان، لأنّ كلفة الانتظار على رصيف المنطقة باهظة، بينما البلد يستمر في التحلّل.
ولكن حسابات القوى الخارجية مختلفة، وهناك قراءة تفترض انّ قدرة تلك القوى على فرض التسوية ستكبر كلما تفاقمَ الانهيار الداخلي وتمددت الازمة مع مرور مزيد من الايام الصعبة، إذ عندها ستبرد الرؤوس الحامية وستنخفض السقوف، وبالتالي ستضعف إمكانية عرقلة مسار التسوية وستصبح الجهات الداخلية أكثر قابلية لتلقّف المعالجات المستوردة ودفع «الجمرك» السياسي عليها.
ويعتبر المواكبون لما يجري في الإقليم انّ اختصار مدة الانتظار العبثي وآلامه يتوقف على الطريقة التي سيتعامل بها الافرقاء اللبنانيون مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وما اذا كانوا سيجيدون مواكبتها أم سيسبحون في عكس تيارها، علماً انّ المؤشرات الأولية توحي بأنّ البعض لم يتعلم بعد من التجارب السابقة، مع انه دفع ثمنها غالياً من كيسه. وبالتالي، لا يزال يكابر في مقاربته للتحولات الكبرى، محاولاً تفسيرها على قياس عواطفه ومصالحه، بعيداً من دلالاتها الحقيقية. يبقى انّ السؤال الكبير يتركز حول طبيعة النتيجة التي ستنتهي اليها التسوية المفترضة بعد اكتمال عقدها ونصابها، وهل سترسو في بنشعي على اسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ام على خيار آخر؟
بالنسبة إلى داعمي فرنجية، توحي كل المؤشرات بأنّ أسهمه تواصل ارتفاعها وإن يكن ببطء، مراهنين على أنّ الموقف السعودي حياله قابل للتليين والتعديل وانّ مصالحات المنطقة تصبّ في صالح تعزيز أوراقه الرئاسية وتسهيل قبول الرياض به، ولو بعد حين.
أصحاب هذا الرأي من مؤيّدي فرنجية يعتبرون انه ما دامت الرياض قد اتفقت مع طهران فلن تبقى الخصومة بينها وبين «حزب الله» في لبنان على حدّتها، وما دامت قد صالحت الرئيس السوري بشار الأسد فلن «تغصّ» بحليفه فرنجية، خصوصاً اذا استندت التسوية الى ركيزتين متكاملتين: رئيس للجمهورية قريب من فريق 8 آذار ورئيس للحكومة قريب من خصوم «حزب الله».
ويستغرب هؤلاء ان يرفض البعض هذه المعادلة، على الرغم من انّ دور رئاسة الحكومة هو وازِن جداً في السلطة بموجب دستور الطائف، خلافاً لما آلت اليه صلاحيات مركز رئاسة الجمهورية.
في مقابل هذا السيناريو، لا يزال حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، المختلفين حول كل شيء، يتقاطعان عند رفض انتخاب فرنجية، ويؤكدان ثباتهما على هذا الموقف بمعزل عمّا يمكن أن تُنتجه اي تسوية خارجية، مع الاشارة الى انّ كليهما يستبعد حتى الآن حصول توافق إقليمي – دولي كافٍ حول فرنجية.
وحتى إذا تم توافق من هذا النوع، فإنّ الطرفين يعطيان انطباعاً بأنهما سيعارضانه ولن يقبلا بوصول فرنجية مهما كلف الأمر، كلٌ لأسبابه، في حين انّ المعوّلين على اندفاعة التسوية يبدون واثقين في أنّ واحداً من الجانبين المسيحيين، على الاقل، سيُجاري رياحها عندما تهبّ على لبنان، ولو من باب تأمين النصاب لجلسة انتخاب فرنجية من دون التصويت له بشكل مباشر.
ولعلّ «الخاصرة الرخوة» لطرح التيار والقوات يكمن في أنهما لم يتفقا بعد على مرشح مشترك، ما يترك «فجوة» واسعة من شأنها لاحقاً ان تسهل على التفاهم الخارجي، مع تقاطعاته الداخلية، المرور عبرها ليفرض إيقاعه.