Site icon IMLebanon

لبنان رهينة نتائج التقارب السعودي – الإيراني

بالرغم من استعادة العلاقات الدبلو ماسية بين الرياض وطهران، وبالرغم من الأجواء الايجابية التي رافقت زيارة وزير الخارجية الايراني للسعودية، واجتماعه بولي العهد الامير محمد بن سلمان، والتي ترافقت مع دعوة وجَّهها الملك سلمان بن عبد العزيز للرئيس الايراني ابراهيم رئيسي لزيارة المملكة، يستمر الباحثون المهتمون بشؤون الخليج ومنطقة الشرق الاوسط في طرح التساؤلات حول مستقبل العلاقات في المدى البعيد بين البلدين، وحول تأثيرات التطورات الجارية على مستقبل الامن والاستقرار على مستوى المنطقة ككل.
في العاشر من آذار 2023 توصل ممثلون دبلوماسيون من كُلٍّ من المملكة العربية السعودية ومن جمهورية ايران الاسلامية، بعد اجتماعات سرية دامت لخمسة ايام في «بجينغ» الى اتفاق رعته الصين، يفتح الطريق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين المتخاصمتين منذ عقود. وهكذا تكون الصين قد نجحت في تقريب وجهات النظر والاتفاق على اعادة العلاقات، بعد ان كانت قد فشلت كُلٌّ من العراق وعمان في جهودهما لإنهاء الخلافات العميقة بين طهران والرياض. ويؤشر نجاح المسعى الصيني الى اهمية الدور الجديد الذي يمكن ان تلعبه «بجينغ» في الجيوبوليتيك الاقليمي في المرحلة الراهنة.

بعد استعادة كامل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين يبرز السؤال الملحّ حول مدى جاهزية الدولتين، وبدعم صيني واضح، للسير قدماً في البحث عن حلول لازمات المنطقة الكثيرة والمعقدة.
ادى توتر العلاقات ومشاعر العداء بين طهران والرياض الى تفجر وتسعير العديد من الحروب والازمات في عدد من دول الاقليم، وخصوصاً في اليمن وسوريا، كما واجهت عدة دول خليجية تهديدات لاستقرارها وأمنها، في الوقت الذي تستمر فيه سياسة المصالح المتعارضة والمتناقضة بينهما في العراق وفي لبنان وسوريا.
لكن يبقى الخلاف الاخطر على امن المنطقة برمتها ممثلاً بأجواء العداء المتنامية بين ايران واسرائيل، بسبب الجهود الايرانية لامتلاك السلاح النووي، الامر الذي ترى فيه اسرائيل بأنه يشكل تهديداً مصيرياً لأمنها ووجودها، يضاف الى ذلك التهديدات الحدودية التي تشكلها الميليشيات والمجموعات المسلحة المدعومة من قبل ايران سواء في سوريا او لبنان او غزة.

في المقابل ترى ايران بأنها في حالة حرب ايديولوجية مع دولة اسرائيل، التي تدخل معها في حرب مستمرة، لكنها غير معلنة في سوريا. كما تتهم طهران الرياض بتشجيع ودعم الجماعات المناوئة للسلطة داخل ايران وفي بلوشيستان، كما تدعم المعارضة الايرانية في الخارج.
في الواقع بالرغم من السرعة التي استعادت فيها ايران والسعودية لعلاقاتها الدبلوماسية وللاجواء الايجابية التي رافقت زيارة الوزير عبد اللهيان للرياض، إلا انه لا يمكن توقع توصل الدولتين الى حلول سريعة وشافية لكل المشاكل والازمات المستمرة منذ عقود، وخصوصاً في اليمن وسوريا ولبنان، مع تصحيح لعلاقات ايران بكل دول مجلس التعاون الخليجي، وابرزها أمن البحرين، وقضية الجزر الثلاث مع دولة الامارات، وآخرها مطالبة ايران بالاستثمار في حقول الغاز المشتركة بين الكويت والمملكة وابرزها حقل الدرة.

صحيح ان ما تحقق من خلال السرعة التي جرت فيها اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سيكون له مفاعيل ايجابية على الاستقرار في الخليج وعلى مستوى الاقليم، ولكن ذلك لا يعني مطلقاً امكانية انخراط الدولتين في البحث عن حلول جذرية لازمات المنطقة.
لن تقتصر نتائج الاتفاق السعودي – الايراني على تحسين العلاقات ووقف التنافس الحاد المستمر منذ ما يزيد عن عشر سنوات بين الرياض وطهران، ولكن مفاعيله ستشمل مجمل دول مجلس التعاون الخليجي، مع ظهور ترحيب بنتائجه من قبل دولة الكويت ودولة الامارات، وعمان، ومن المؤكد بأن نتائجه لن تقتصر على المجال الدبلوماسي بل ستتوسع الى المجال الاقتصادي، بعد ان عبّر بعض المسؤولين السعوديين عن وجود رغبة في توجيه بعض الاستثمارات باتجاه ايران. لكن لا بد هنا من التحوّط من الاندفاع نحو حدود التفاؤل غير المبرّر، وبالتالي الافتراض بوجود رغبة جامحة لدى الطرفين لانهاء كل الازمات القائمة بينهما في طول وعوض منطقة الشرق الاوسط.
من المؤكد بأن التقارب السعودي – الايراني سيؤثر بصورة مباشرة على الوضع في العراق من الناحيتين الامنية والاقتصادية. ويمكن ان تستفيد السلطات العراقية من هذا التقارب لفتح صفحة جديدة للتعامل مع كل من الجارتين، واستغلال الفرصة لتشجيع الاستثمارات السعودية في الاقتصاد العراقي، بالاضافة الى تقوية اصول الدولة العراقية لضبط حركة الميليشيات التابعة لإيران، والتي باتت تشكل مشكلة مستعصية لا يمكن حلها، وتحول دون استعادة الدولة العراقية لدورها السيادي، وهي نفس المشكلة التي يواجهها لبنان بسبب تفلُّت سلاح حزب الله في الداخل، وزيادة الدعم الايراني لخروج الحزب من تحت عباءة الدولة، والتدخل في دول الاقليم وبشكل يسيء للبنان ولمصالح شعبه.
لا يمكن ان تقتصر عملية تقييم نتائج التقارب السعودي – الايراني على المفاعيل التي سيتركها على الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، بل يجب ان نأخذ بالاعتبار موقف اسرائيل من هذا التقارب، ومدى تعارضه مع مصالحها الحيوية، وخصوصاً ما يعود منها لأخطار امتلاك ايران للسلاح النووي. وتسارع الى القول بأن الاتفاق السعودي – الايراني بمضامنية وتوقيته يتعارض كلياً مع خطط اسرائيل، والمدعومة اميركياً، للتقارب مع المملكة، من ضمن الاتفاقات الابراهيمية، ومع التطلع لاقامة حلف اقليمي في مواجهة ايران ومخططاتها للهيمنة على عدد من دول المنطقة.
على صعيد آخر تخشى اسرائيل ان تحاول ايران الاستفادة من التقارب مع السعودية ودول الخليج من اجل تقوية ميليشياتها في لبنان وسوريا وغزة، وتشجيعها لشن هجمات ضدها، الامر الذي يدفع تل ابيب الى استعجال اللجوء الى عملية «جراحية» من خلال هجمات محدودة ومركزة على منشآت ايران النووية، مستفيدة من القرار الاميركي الجديد بالعودة عسكريا الى المنطقة من خلال دعم وجودها البري والجوي والبحري. لكن لا بد من المسارعة الى القول بأن بنية الحكم في اسرائيل (من اليمين المتطرف) والخلافات الداخلية حول التعديلات القضائية وما أثارته  من انقسامات حادة داخل اسرائيل، بالاضافة الى المشاكل الامنية المتصاعدة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، لن يسمح لاسرائيل بتركيز اهتماماتها على الحد من التأثيرات غير المؤاتية لمصالحها في الدول الخليجية، وخصوصاً لجهة العمل لايجاد تحالف اقليمي مع المملكة العربية السعودية.
في لبنان لقد ساهم التنافس وتناقض المصالح بين ايران والمملكة في زيادة الانقسامات بين اللبنانيين، مما انعكس سلباً على مسيرة الاداء السياسي في البلاد، وخصوصاً بعد استشهاد الرئيس الحريري وخروج الجيش السوري، وتعيش البلاد الآن حالة من الانقسام بين معسكرين، احدهما يرأسه حزب الله والآخر من افرقاء سياسيين تحت عنوان المعارضة، ويتسبب هذا الانقسام في منع انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي تشكيل حكومة فاعلة تقود البلاد، وتعيد بناء مؤسسات الدولة، تمهيداً لاخراج البلد من الازمة الاقتصادية الخانقة.
يبدو بأن حزب الله يشعر بالرضى على ما حققه التقارب السعودي والايراني وخصوصاً لجهة اخراج ايران من عزلتها الدولية، وايجاد شريك دولي هو الصين لتخفيف حدة الوجود والنفوذ الاميركي في المنطقة، ويأمل حزب الله بأن يؤدي هذا التقارب في نهاية المطاف الى دفع قوى المعارضة وخصوصاً النواب السنّة وحزب القوات اللبنانية للقبول بالدخول بحوار مع حزب الله وحلفائه لتأمين العدد اللازم من الاصوات لانتخاب مرشح الحزب للرئاسة النائب السابق سليمان فرنجية. في المقابل تأمل قوى المعارضة ان يؤدي التقارب الى تقيّد ايران باحترام مبدأ سيادة الدولة وبالتالي تخفيف تدخلها في لبنان ودعمها لمشروع حزب الله، وبما يفتح الطريق لانتخاب رئيس سيادي.
وهكذا يستمر مصير لبنان معلقاً على آمال واهية، رهينة اوهام يعيشها حزب الله ومعارضوه.