في ختام المباحثات السعودية الإيرانية في بكين، التي انتهت إلى اتفاق يتضمّن «بنوداً سرية» لم يتمّ الإفصاح عنها، خاطب رئيس الوفد السعودي الحضور شاكراً.
شكر أولاً علي شمخاني «على الجهود التي بذلها وأعضاء الوفد الإيراني الشقيق» ثم وجّه التحية إلى الجانب «الصيني الصديق» على دوره في رعاية واستضافة وإنجاز مفاوضات الجلسات الخمس.
إيران «الشقيقة» توصيف كان يصعب إطلاقه على لسان مسؤول سعودي قبل لقاء بكين، فلا إيران كانت تتصرف مع السعودية كشقيقة، ولا السعودية كانت تتوقع منها غير ما تفعله في اليمن ودول الجوار والمملكة نفسها من اعتداءات وتحريض وإثارة مذهبية.
كانت تصريحات المسؤولين الإيرانيين لدى زيارتهم العراق ولبنان وسوريا واليمن عن العلاقات مع هذه البلدان «الشقيقة» تثير فوراً في نفوس سامعيها ذكريات عن تصريحات إيرانية موازية عن السيطرة على عواصم البلدان الأربعة، وعن السعي لتحرير الجزيرة العربية من حكم آل سعود، فما الذي حدث ليقول المسؤول السعودي ما قاله ويتبنّى صيغة إيران الشقيقة؟
يبدو مفتاح القصة في ذلك البند الصريح والمعلن في الاتفاق والذي ينصّ على «مبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها». هذا البند اعتبره العيبان في كلمته الختامية «ركيزة أساسية لتطوّر العلاقات بين الدول وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقتنا بما يعود بالخير والنفع على البلدين والمنطقة بشكل عام».
قبول إيران بمبدأ السيادة وعدم التدخّل في شؤون الدول المجاورة استحقّا من السعودية تسميتها بالدولة «الشقيقة» ولا شكّ أنّ ترجمة هذا الموقف الإيراني ستكون له تداعياته التي ستظهر مفاعيلها خلال الشهرين المقبلين. فعدم التدخّل لا يعني السعودية بقدر ما يعني إيران. صحيح أنّ السعودية تقاتل في اليمن نتيجة التهديد والاعتداءات المباشرة على حدودها وأراضيها، لكن إيران تولّت تسليح وتنظيم جيوش من الميليشيات في اليمن كما في لبنان وسوريا والعراق، ولا يمكن اعتبار مثل هذا السلوك احتراماً لسيادة الدول المعنية مباشرة، ولا للسعودية التي كانت دائماً هدفاً لتلك الميليشيات.
لذلك سيكون بند احترام سيادة الدول على محكّ الامتحان خلال مهلة الشهرين، وستمتدّ تأثيرات تطبيقه والإلتزام به من بغداد إلى صنعاء إلى بيروت ودمشق، ففي كل هذه العواصم تحضر إيران جسدياً، ولم تحضر السعودية لا بميليشياتها ولا بتنظيماتها مع استثناء الحرب في اليمن التي آن الأوان لوضع حدّ لها.