لم تنتهِ المفاوضات الأميركية – الإيرانية، لأنّ الاتفاق النهائي لم يُوقَّع، والغموض حول كل ما تمّ التوصل إليه عميق. المشكلة أنّ الأميركيين والإيرانيين يزيدون عمق الغموض في كل مرّة يتكلمون فيها عن الاتفاق. لقد اعتاد الطرفان منذ «النزهة» الشهيرة بين جون كيري وجواد ظريف على هذه اللغة التي جرى التأسيس لها كما يبدو في مسقط. ما يعزّز هذا المسار، أمران:
الاول: أن الإدارة الأوبامية تواجه معارضة شرسة من الكونغرس ضدّ الاتفاق، وعليه التوصُّل إلى إقناعها. أمّا الإيرانيون فإنّ المرشد وضع ضوابط لمعارضة الاتفاق من المحافظين المتشدّدين والحرس الثوري، لكن المشكلة تكمن فيه، فهو يريد ومضطر وفي الوقت نفسه لا ينجح كما يجب في تجاوز الماضي وعدم ثقته بواشنطن ولا في التخلص من العداء لها.
الثاني: أنّ الطرفين يعيان بثقة انّ الشيطان يكمن في التفاصيل وما زال أمامهما الكثير من العمل في بلورة التفاصيل. وقد بدا المرشد آية الله علي خامنئي أكثر وضوحاً في هذه النقطة، فقد تحدث عنها علناً محذراً من الوقوع في فخها.
أمام هذا كله، يبدو أنّ المرشد خامنئي بدأ يمهّد لتمديد المفاوضات إلى ما بعد حزيران القادم «لأنّ التمديد يريحه». هذا العرض الإيراني العلني من المرشد يُخفي عقدة إيرانية داخلية، لأنّه كما جرت العادة من الصعب جداً الفصل بين الداخل والخارج في الخطاب الإيراني. ذلك أنّ الاتفاق النهائي متى وُقِّع بموافقة المرشد وحتى رعايته وحمايته من « ذئاب» الداخل ، فإنّ «المعسكر» الوسطي الذي يقوده الثنائي حسن روحاني وهاشمي رفسنجاني ومعهما الإصلاحيون سيكسبون الكثير من الدعم الشعبي وهم على أبواب الحملة الانتخابية لمجلسَي الشورى والخبراء مع مطلع العام القادم، وهو لا يريد حُكماً تقديم هذه «الهدية» خصوصاً أنّه سيكون لرفسنجاني حصّة كبيرة حتى ولو لم تُترجم بمواقع داخل السلطة، لذلك كله من الأفضل الانتظار.
«نسيم» لوزان يخفّف من وطأة الانتظار على المفاوضين، لكن الرقص فوق «الصفيح الساخن» وعلى حافة الهاوية في الشرق الأوسط، يثير القلق وحتى الخوف خصوصاً أنّ يوميات الانتظار تُكتب بدماء آلاف الضحايا على امتداد المشرق العربي. ليست المفاوضات وحدها المسؤولة عن كل ذلك. المشروع الإيراني والضعف العربي، فتحا مساراً متشكّلاً من حروب صغيرة موزَّعة تشكّل معاً حرباً إقليمية واسعة.
أصبح جلياً انّ «الحرب» بعدّة وسائل أصبحت بين إيران والسعودية. الأولى تريد تحقيق مكاسب ضخمة وضمان تثبيتها، من سوريا إلى العراق مروراً بلبنان واليمن. يمكن خلال أي مفاوضات قادمة مقايضة دائرة بأخرى، أمّا المهم فهو الحصول على الاعتراف بها قوة اقليمية قوية تفتح الباب لشهيّتها في مرحلة لاحقة على المنطقة الآسيوية تحت عنوان الوحدة الروحية والثقافية. أما الثانية، ودون الدخول في التفاصيل، فإنها الخصم المباشر، والقادر إذا ما توافر له حلفاء حقيقيون، على وقف «المحدلة الإيرانية»، ولذلك يتبلور تصعيد إيراني غير مسبوق ضدّها بكل الوسائل وفي كل الاتجاهات.
تبلور الصراع وأسباب تصعيده تؤكد أنّه كلما طالت المفاوضات الإيرانية – الأميركية ارتفع لهيب النار في المنطقة، ولا شك أنّ الرئيس باراك اوباما، إن لم يرقص طرباًعلى نجاحه في استنزاف الجميع، فإنّه على الأقل يشعر أنّ «غيوم» الشرق الأوسط أينما ذهبت فإنّ غلّتها ستعود اليه.