Site icon IMLebanon

القيادة السعودية الآحادية للعرب صعبة

أظهرت زيارة رئيس تركيا رجب طيب أردوغان المملكة العربية السعودية في كانون الأول الماضي، وجود محاولات جدّية من قيادتي الدولتين لتقريب وجهات نظرهما حيال قضايا الشرق الأوسط، وخصوصاً التي تهدد أمنهما معاً. والإشارة الأولى المهمة إليها كانت، الإعلان بعد انتهاء المحادثات عن قيام “مجلس التعاون الاستراتيجي” بينهما. أما القضايا التي هي مصدر قلق لهما فكانت ولا تزال الوضع في سوريا والقلق المشترك من إيران، والقلق التركي من التدخّل العسكري الروسي في سوريا، ومن التلويح بقيام دولة كردية في شمالها والعراق، والقلق من تهديد المنظمات الارهابية وفي مقدمها “داعش”. وقد أوضح ذلك وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بقوله إن “مجلس التعاون سيهتم بأمور عدة، أبرزها الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والإستثمارية والطاقة وغيرها”.

وأظهرت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو للمملكة بعد أسابيع من زيارة أردوغان، جدية رغبة بلاده في “التعاون” معها لمواجهة القلق والخطر المتنوّع المصدر. وقد بحث مع المسؤولين السعوديين في المبادئ الأساسية لاتفاقية “التعاون الاستراتيجي”، واتفق معهم على متابعة التشاور لوضع صيغتها النهائية بحيث تكون جاهزة للتوقيع في أثناء زيارة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز أنقرة شهر نيسان المقبل. وفي هذا المجال كشف مركز أبحاث عربي جدي وجود بعدٍ اقتصادي لاتفاقية “التعاون الاستراتيجي” يتمثل بزيادة الاستثمارات السعودية في تركيا، وبعدٍ عسكري – صناعي يتمثل بتعاون واسع في الصناعات الدفاعية.

وأشار إلى أن أبرز دوافع السعودية لذلك كان “توليها” قيادة العالم العربي بعد حال التفكك والضعف التي أصابته جراء اندلاع الثورات العربية أواخر الـ2010 وتحدياتها الكبيرة لدول المنطقة. وكان أيضاً سعيها إلى التعاون مع القوى الرئيسية في الإقليم للنجاح في مواجهتها أهمها تركيا. وكان أخيراً اقتناعها بأنها بدأت تواجه خطراً مباشراً مصدره اليمن المجاور لها، ومُقرِّره وواضع خططه ومُقدِّم كل التسهيلات اللازمة له من مال وتدريب وسلاح وذخائر هو إيران، ولا بد من الردّ عليه وإزالته. انطلاقاً من ذلك رأت أن مصلحتها تكمن في إشراك الإقليم كلّه وغالبيته الساحقة “مسلمة”، في التصدي للأخطار التي تهدد الجميع. وأبرز قوة فيه متناغمة معها هي تركيا. وبذلك تصبح الدولتان – القطبان المحور القيادي للمنطقة، وخصوصاً بعدما تضاعفت الأخطار عليهما معاً من دول مجاورة لهما مثل اليمن وسوريا والعراق، ومن دول غير مجاورة لهما لكنها مهمة مثل مصر وليبيا ودول الخليج.

هل ينشأ المحور التركي – السعودي وتالياً ينجح في القيام بما يعتقد أنه يؤمن مصالحه وخصوصاً في سوريا، حيث يشعر طرفه التركي أنه مهدّد مباشرة بالتحولات العسكرية الأخيرة فيها، كما في اليمن الذي يشعر طرفه السعودي أنه مهدد مباشرة بما يجري فيه، وأيضاً بمحاولات زعزعة استقرار أشقائه العرب الأصغر حجماً منه في الخليج؟

الجواب عن هذا السؤال المهم ليس سهلاً. فمن جهة لا تتشابه علاقة كل من تركيا والسعودية مع إيران. فالأولى لها علاقة طبيعية مع طهران تتمثل بتبادل تجاري وتعاون وقرار بعدم الوصول إلى التصادم العسكري مباشرة ومداورة. كما تتمثل باقتناع الاثنتين ضمناً بأنهما ستكونان ضلعي المثلث أو المربّع الذي سيقود المنطقة أو يديرها بالنيابة عن أميركا وغيرها من كبار العالم فور التوصل إلى نظام إقليمي جديد فيها. أما الثانية فإن علاقة عداء تربطها مع إيران وحرب بالواسطة ربما تتحول مباشرة. ومن جهة ثانية هناك أمر يعوق التسليم بالقيادة الآحادية السعودية للعالم العربي، رغم تمتعها بمقومات كثيرة مهمة، وذلك بسبب ضعف المكوّن الديموغرافي والمدني والعسكري فيها.

فهي تحتاج معها إلى مصر الدولة العربية الأكبر سكانياً والأكثر خبرة عسكرياً والأكبر جيشاً والقائدة للعالم العربي في حقبات عدة. طبعاً العلاقة الآن بين الدولتين جيدة جرّاء المساعدات السعودية بل الخليجية لمصر. لكن ذلك لا يدفع المصريين إلى التسليم بالتخلي عن دورهم القيادي بالمشاركة مع السعودية. لا بل أن هناك أمراً يزعجهم وهو أن المملكة اتجهت إلى تركيا من دون أن تأخذ مصر معها شريكاً، رغم علمها بالعلاقة المتوترة بين مصر وأنقرة، بسبب “الاخوان المسلمين”، ومن دون علمها ورغم مشكلاتها الداخلية. علماً أن مصر تعتبر أن أمنها القومي يتجاوز حدودها، وأنها مستعدة من أجل حمايته لاجتياز هذه الحدود.