يومان فصلا بين زيارة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة لطهران ودعوته، من هناك، إلى فتح حوار عربي ــــ إيراني لحلّ مشاكل المنطقة، وبين تأكيد الرئيس سعد الحريري، من القاهرة، أن ايران ليست عدواً للبنان، مؤكداً الحرص على العلاقة معها. وإذا كان جودة يعكس، حصراً، موقف عمّان التي تربطها بالرياض علاقة تحالف وثيق، فليس خافياً أن الحريري المقيم في السعودية لا ينطق عن هوى شخصي. وقد كان لافتاً أن تصدّر صحيفة «المستقبل» صفحتها الأولى، أمس، «الحرص» الحريري على العلاقة مع ايران، بصرف النظر عن بعض «شياطين التفاصيل»، كقوله «إن التطرف في المنطقة لا تختصره داعش والنصرة وحدهما، بل السياسة الإيرانية في المنطقة أيضاً».
التصريح الذي جاء على باب الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، فسّره أكثر من مصدر مستقبلي بأنه «عرض عربي أول للتفاهم مع طهران في ذروة المفاوضات القائمة بينها وبين الولايات المتحّدة»، يأخذ في الحسبان عدم القدرة على تجاوز دور ايران في حلّ الملفات الإقليمية، ويعد جسّ نبض لتحوّل ما في العلاقات العربية ــــ الإيرانية.
تجزم المصادر المستقبلية بأن «الحريري لم يذهب إلى مصر للتحدّث باسم تيار المستقبل ولا لبنان، بل باسم السعوديين». وتشير إلى أن «التحولات التي تفرض نفسها على المشهد الإقليمي بسرعة قياسية تدفع بالمنظومة العربية إلى اتباع مسارات جديدة في التعاطي مع ايران، تحرص على عدم القطع معها نهائياً، ولكن طبعاً على قاعدة ما الذي تريده من المنطقة». لا يعني ذلك، بالطبع، أن الرياض غادرت موقعها المواجه للمحور الذي تقوده طهران في المنطقة، إلا أن مقربّين من «الشيخ سعد» رأوا في كلامه الأخير في القاهرة «إدراكاً لدى القيادة السعودية بأن التوّصل الى تفاهمات مجدية يفرض عليها تبديل لغة التخاطب مع ايران.مصادر في
المستقبل: الحريري
لم يتحدث في مصر باسم التيار
وحتى لا يفهم هذا الادراك كأنه تراجع عن المواقف السعودية الصارمة، جاءت هذه الرسالة على لسانين غير سعوديين: الحريري وجودة».
أما كلام الحريري عن أن «الاعتدال هو في مواجهة كل أنواع التطرّف وليس نوعاً واحداً، سواء كان التطرّف الإيراني أو التطرّف الذي نراه في داعش والنصرة»، فهو، في رأي قادة في تيار المستقبل، محاولة من رئيس التيار للإيحاء بأنه أكثر من مجرّد لاعب محلي، وعن رغبته في استثمار أي تحوّل عربي محتمل في السياسة الداخلية اللبنانية. ويضع أحد المستقبليين الكلام الحريري في إطارين محلّي وإقليمي. أولاً «عرض السعودية لا يعني أن ترمي المملكة أوراقها دفعة واحدة. وثانياً، أن الكلام عن التطرف يحفظ ماء وجه الحريري أمام جمهوره على الساحة السنية، الذي بات يرى، بسبب تصريحات المستقبليين في المرحلة السابقة، في ايران عدواً له». بذلك، يضرب الحريري عصفورين بحجر واحد: يرضي جمهوره بتكرار الموقف التقليدي من سياسة إيران في المنطقة، وفي الوقت نفسه «حاذر توتير العلاقة مع حزب الله، كي لا يؤثر ذلك في الحوار القائم بينهما باتخاذ موقف غير معاد لطهران».