تهنئة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز للرئيس ميشال عون لمناسبة فوزه بمنصب رئاسة الجمهورية لم تكن تهنئة بروتوكولية وعادية بقدر ما كانت تهنئة خاصة وذات مدلولات سياسية هامة.
فلو كانت التهنئة عادية وبروتوكولية، لاكتفى العاهل السعودي ببرقية تهنئة كتلك التي أرسلها هو وولي عهده وولي ولي عهده للعماد عون، والتي تأتي في إطار الاعتراف بالشرعية الدستورية للرئيس المنتخب. ولكن الاتصال الهاتفي الذي بادر الملك سلمان لإجرائه مع الرئيس اللبناني الجديد يعني أول ما يعنيه «ارتياحاً سعودياً لملء الفراغ الرئاسي الذي عانى منه لبنان لنحو عامين ونصف عام»، ويعني أن الرياض «ستتعامل مع العهد الجديد»، وأن عهداً جديداً «ستشهده العلاقات السعودية في لبنان بعد أكثر من عامين من التخلي عن الدور السعودي فيه»، والذي جعل الرياض على وشك أن تخسر حلفاءها التقليديين في لبنان.
وفي الحقيقة، فإن «الصحوة السعودية المفاجئة» للعودة الى لبنان ما كانت لتتم لولا الملك سلمان شخصيا الذي كان مشغولا عن متابعة ملف لبنان أو حتى عن السؤال عنه وعما يجري فيه.
وهذه «الصحوة» جاءت بعد مبادرة الرئيس سعد الحريري بالموافقة على ترشيح عون للرئاسة، وبعدما أثير انتباه الملك إلى ما يجري في لبنان، فأمر بإرسال وزير الدولة للشؤون الخليجية ثامر السبهان الى لبنان كمبعوث ملكي، ليطلع على تفاصيل كل ما يجري فيه من زعمائه وسياسييه مباشرة وليس عن طريق أطراف أخرى. وبالفعل هذا ما جرى.
وقد اجتمع المبعوث الملكي إلى بيروت مع كل ممثلي القوى السياسية والدينية اللبنانيين ـ ما عدا «حزب الله» ـ وغادر قبيل جلسة البرلمان لانتخاب العماد عون رئيساً، ليرفع تقريراً عاجلا للملك عما رآه واستمع إليه في زيارته التي استمرت 3 أيام الى لبنان. وهذا التقرير بدا كأنه تقرير «إيجابي»، لا سيما على صعيد انتخاب الجنرال رئيساً للبنان، فالجنرال كرئيس سيكون غيره كزعيم لتيار «سياسي» تحالف مع طرف لبناني مناهض للسعودية.. كرئيس سيحكم بموجب اتفاق الطائف، وسيتعامل مع الجميع كونه رئيسا لجميع اللبنانيين، وكرئيس سيسعى للنأي ببلاده عن مشاكل الأزمة السورية.
هكذا فهم المبعوث الملكي موقف الرئيس ميشال عون بعدما التقاه في بيروت قبل أيام من انتخابه، ومن اجل ذلك جاءت المباركة السعودية هاتفية وغير عادية.
وعلى عكس ما يرى البعض ان انتخاب عون جاء انتصاراً لـ «حزب الله»، فإن الرئيس سعد الحريري أثبت للرياض انه حصل، بتأييده لانتخاب عون رئيسا، على تنازلات من الطرف الآخر وأولها القبول بعودته رئيساً لحكومة العهد الجديد، بالاضافة الى الاعتراف باتفاق الطائف الذي كان يرفضه الرئيس عون سابقا.
في الرياض، يبدو أنهم ينتظرون من العهد اللبناني الجديد تأكيد استقلاليته عمن سيعملون على جره كرئيس الى محور «الممانعة» لا أكثر، وهذا سيشجع المملكة على تنشيط دورها في لبنان وإعادة العلاقات «الخاصة» التي تربط السعودية وشقيقاتها الخليجيات بلبنان وشعب لبنان، حتى ان وزيرا خليجيا مخضرماً علق على فوز عون بالقول: «نأمل ان يعيد انتخابه الامور في لبنان الى وضعها الصحي حتى نعود الى لبنان الذي اشتقنا اليه».
ولا شك بأن الرئيس الحريري، بنجاح مبادرته في تأييد انتخاب عون، جعل الرياض تعيد اهتمامها بلبنان، الامر الذي سيجعلها تستعيد دورها فيه، وهو الدور الذي يفتقده العديد من اللبنانيين وأولهم حلفاؤها التقليديون.
والوزير ثامر السبهان مرشح لاستلام الملف اللبناني في السعودية، وإذا ما تم ذلك فعلاً، فإن هذا يعني عودة السعودية ودورها الى لبنان، وعودة تفاهمها مع معظم القوى السياسية اللبنانية، عدا بالطبع «حزب الله»، الذي ستترك أمر التعامل معه سياسيا لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. والوزير السبهان سيحرك الامور السعودية التي ركدت في لبنان وسينشط علاقات الرياض مع الجميع، فهو يعرف لبنان وزعماءه وقواه منذ ان عمل ملحقا عسكريا في بيروت قبل ثلاثة أعوام، وهو يعرف معظم المناطق اللبنانية.
هذه العودة تتطلب من الرياض إعادة تنشيط العلاقة مع الرئيس الحريري التي فترت خلال العامين الماضيين. وهذا يتطلب من الرياض حل الازمات المالية التي عانى ويعاني منها زعيم «تيار المستقبل» بسبب تدهور اوضاع شركته «سعودي اوجيه» ويتطلب تنشيط دورها كواحدة من أدوات القوة الناعمة في لبنان.
فهل بعد الدعم المعنوي السياسي للرئيس الحريري الذي أعطته زيارة المبعوث الملكي لبيروت ومهمته ستقدم الرياض الدعم المالي له ولحلفائها التقليديين؟
هذا ما يُنتظر في الاسابيع القليلة المقبلة، لا سيما اذا بقي العاهل السعودي متابعا الملف اللبناني، فالملك سلمان كما يعرف العديد من اللبنانيين الكبار له عاطفة خاصة نحو لبنان واللبنانيين ونحو الحريري الذي وصفه لنا قبل سنوات بأنه «ابننا».
والملك سلمان هو القادر على إعادة عهد سعودي جديد في لبنان مع العهد الرئاسي الجديد.