Site icon IMLebanon

ما الذي يُطمئن السعوديين في لبنان؟

 

لا يقول السعوديون اليوم بوضوح ماذا يريدون في الملف الرئاسي، ومَن يريدون: هل ما زالوا ضمناً يدعمون مرشح «المعارضة»؟ أم اقتنعوا بالبحث عن مرشح توافقي؟ وهل ما زالوا على خلاف مع الفرنسيين حول الملف، أم توافقوا معهم على فتح الباب لخيارات جديدة؟

يجهد المحلّلون لمعرفة ما جرى في المحادثات التي أجراها ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان في باريس مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منتصف هذا الشهر، وما انتهت إليه في الملف الرئاسي العالق. فهل تمكّن أحد الطرفين من إقناع الآخر بوجهة نظره، أم إنّهما ذهبا معاً إلى خيارات أخرى؟

مصادر الطرفين تتجنّب أي كلام على مضمون المحادثات. وبدا كأنّ الفرنسيين والسعوديين تركوا للديبلوماسي الفرنسي المحنّك والخبير بالشأن اللبناني جان إيف لودريان أن يتعاطى مع هذه المسألة بهدوء، وعلى طريقته، في الجولات التي بدأها بعد القمة الفرنسية- السعودية مباشرة.

 

لكن المثير هو ما استنتجه بعض المطلعين، ومفاده أنّ الملف اللبناني ككل، ومن ضمنه الملف الرئاسي، لم يستحوذ على الكثير من الجهد في محادثات باريس، لأنّ الطرفين المعنيين كانا أكثر انشغالا بملفاتهما الخاصة، وهي في الغالب ذات طابع اقتصادي.

 

ففرنسا ترغب في تثبيت حضورها في مشاريع الشرق الأوسط والعالم العربي، مستفيدة من انشغال القوى الدولية الكبرى بحرب أوكرانيا، فيما هاجس المملكة هو انطلاقها نحو الحلم الكبير الذي يؤسس له ولي العهد، والذي من شأنه أن يجعلها في طليعة القوى الإقليمية، سياسياً واقتصادياً وتنموياً وعلمياً وثقافياً.

 

والأساس في تحقيق الحلم السعودي هو الاستقرار. وتحت هذا العنوان تتحرّك القيادة السعودية الجديدة للوصول إلى وضعية «صفر مشكلات» مع الجوار، وإيران تحديداً.

في الفترة التي خاض فيها السعوديون صراعاً مريراً مع إيران، تكبّدوا أكلافاً كثيرة، واندلعت النيران في الخاصرة اليمنية، ولفحت مراراً عمق السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. ولم يجد السعوديون دعماً جدّياً من جانب الحليف الدولي الأساسي، الولايات المتحدة، في هذه المواجهة. وثمة من يقول إنّ السعوديين تُركوا يتدبّرون أمورهم بأنفسهم، فيما هم دفعوا مئات المليارات من الدولارات، على مدى عقود، ثمناً للاستقرار.

 

ما تبدّل في سياسة السعوديين هو أنّهم قرّروا الإقلاع نهائياً عن دور البلد الخائف على استقراره، والذي يبرم الصفقات ويدفع الأثمان الغالية من أجل الحصول على الحماية. ولذلك، هم أخذوا المبادرة وذهبوا مباشرة إلى طهران، ولو بوساطة صينية، وأبرموا معها صفقة هدفها ضمان الاستقرار.

 

وفي الموازاة، أبلغ السعوديون إلى واشنطن وسائر العواصم الغربية أنّهم سوف يحافظون على المصالح المشتركة، وأنّ المملكة لن تكون في محور إقليمي أو دولي ضدّ آخر. فهذه هي مقتضيات قاعدة «صفر مشكلات» التي قرّروا اتباعها.

 

كانت السياسة التقليدية التي يتبعها السعوديون تتعاطى التفاصيل في الخليج والشرق الأوسط. ويعني ذلك أنّ المملكة كانت تغرق في الأزمات الداخلية من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان. وهذا الغرق كان يرهق المملكة ويضع استقرارها على المحك.

 

 

اليوم، بالذهاب مباشرة إلى طهران والتطبيع مع دمشق، يعالج السعوديون أزمات المنطقة كلها دفعة واحدة، وضمن سلّة واحدة.

 

فالاتفاق مع طهران يتضمن رؤية لحل الأزمات الإقليمية العالقة. وإذا كان بديهياً أنّ الاهتمام السعودي بالبيت الخليجي واليمن هو الأولوية، لكن هذا لا يعني أنّ المملكة تخلّت لإيران عن العراق وسوريا ولبنان. وثمة توازن في معالجة هذه الأزمات يحرص عليه السعوديون، ويقبل به الإيرانيون.

 

ففي سوريا مثلاً، كان السعوديون يريدون إعادة العلاقات مع الرئيس بشار الأسد بهدف الحدّ من نفوذ إيران في سوريا. لكنهم باتوا اليوم مستعدين للانفتاح على الأسد ضمن معادلة التوافق مع طهران.

 

وثمة من يقول إنّ هذا المنطق صالح للتطبيق في لبنان أيضاً. فقد بات السعوديون أكثر استعداداً للتعاطي مع الواقع المفروض، حيث يمتلك حليف إيران «حزب الله» أوسع نفوذ في السلطة.

 

 

وعلى الأرجح، هذه الفرضية هي نفسها التي يعتمدها الفرنسيون حالياً. وربما عند هذه النقطة من «الواقعية» جرى التقاطع في قمة ماكرون- بن سلمان. ومعنى ذلك أن يضطلع الفرنسيون والسعوديون بدور الوسيط المحايد بين القوى اللبنانية لكي تقوم هي وحدها بتحديد خياراتها، أياً كانت. وإذا كان هناك اعتراض من جانب أي طرف دولي كالولايات المتحدة مثلاً على هذا الخيار، فليبادر هذا الطرف إلى المواجهة. وفي تقدير المطلعين أنّ هذا ما يفسّر التزام السعوديين والفرنسيين معاً، جانب الصمت والتريث في إطلاق المواقف في ما يتعلّق بملف الرئاسة.

 

ولكن، ألا تخشى المملكة أن تخسر مواقع نفوذها التقليدية في الشرق الأوسط لمصلحة إيران، وفي شكل دائم؟

 

العالمون بالموقف السعودي يقولون إنّ المملكة تمتلك من القدرات ما يسمح لها بأن تكون مطمئنة، ولو تخلّت عن بعض النفوذ في سوريا ولبنان.

 

فالسعوديون يدركون أنّ من المستحيل نهوض سوريا من دمارها من دون مساعدتهم، وأنّ لا خيار أمام القوى المعنية بالشأن اللبناني سوى طلب الدعم المالي السعودي لتجاوز الانهيار الحالي.

 

 

فإذا كان محور إيران يرجّح كفة التوازنات عسكرياً وسياسياً، فإنّ السعودية وحليفاتها الخليجيات ترجح الكفة مالياً واقتصادياً. وفي الوقت عينه، يصعب تجاهل الرصيد السياسي والمعنوي الذي تمتلكه المملكة، في العالمين العربي والإسلامي، بما له من أثر في الدول والشعوب.

 

لذلك، وعلى رغم غياب المرجعية السنّية في لبنان، تمضي المملكة في خياراتها السياسية الجديدة، وهي مطمئنة إلى أنّ أحداً لن ينتزع منها الموقع والرصيد. وهذا ما ستعبّر عنه الانتخابات الرئاسية، عندما يحين موعدها.