كان لافتاً حضور رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية منتدى «الطائف» الذي نظّمته السفارة السعودية في الاونيسكو. وتعمّد فرنجية المشاركة مع معظم كوادر «المردة»، بما يوحي بأن قراره هو امتداد للعلاقة مع المملكة العربية السعودية، والتي بقيت قائمة، على الرغم من ارتباط فرنجية الوثيق بـ»محور الممانعة».
أراد رئيس «تيار المردة» أن يُثبت بهذا الظهور أنّه لم يكن في يوم من الأيام بعيداً عن التوجّه العربي، وفي التوقيت كان حضوره متلازماً مع انتقال «حزب الله» من مرحلة الغموض الى مرحلة «نصف الإشهار» في تعامله مع الاستحقاق الرئاسي، باتجاه التلميح من دون التصريح، إلى توجّه لتبني ترشيح فرنجية بشكل معلن.
وبمعزل عن كون قرار فرنجية بالمشاركة الشخصية في المنتدى منسّقاً مع «حزب الله»، فإنّ نتائج هذه المشاركة، كما نتائج هذا المسعى المستمر لنيل الغطاء العربي من الباب السعودي، لم تتضح بعد، وسط استنفار لدى أكثر من جهة لبنانية لرصد الموقف السعودي من ترشيح فرنجية، علماً أنّ بعض الاشارات غير الموثوقة بدأت تلمّح إلى إمكان ذهاب المملكة إلى تقديم الغطاء اللازم الذي سيؤمّن انتقال فرنجية إلى بعبدا، لا بل إنّ بعض المعلومات المتفائلة تحدثت عن زيارة قام بها فرنجية إلى السفارة العربية المؤثرة، في استكمال لرحلة التقارب هذه، التي لا بدّ أنّها ستنتهي نهاية سعيدة، كان يفترض أن تتحقق في العام 2016 لولا رفض «حزب الله» التخلي عن ترشيح العماد ميشال عون لصالح الحليف الموثوق الذي «لا يطعن» بالمقاومة.
في المقلب الآخر لهذا التفاؤل، تبرز مجموعة من الأسباب التي تقطع الطريق على رغبة فرنجية في التقارب مع السعودية بما يوصل إلى موافقتها على ترشيحه وترئيسه. الموقف السعودي من الملف اللبناني بات مختلفاً بشكل جذري عن العام 2016. يومها تركت السعودية للرئيس سعد الحريري أن يتبنى على مسؤوليته مخاطرة انتخاب ميشال عون، فكانت النتائج كارثية، وهي أدّت من ضمن ما أدّت إليه، إلى استقالة الحريري، وعودته إلى بيروت لاستكمال التسوية الرئاسية التي انتهت بـ»ثورة 17 تشرين».
أمّا اليوم فقد أصبح الموقف السعودي من هذا الملف جذرياً إلى درجة التشدد في رفض استنساخ تجربة ميشال عون في قصر بعبدا، ولو برئيس كفرنجية يختلف عن عون في الأسلوب، لكن لا يمكنه أن يتمايز في الموقف السياسي ولو قيد أنملة عن «حزب الله». يتجاوز الموقف السعودي نوستالجيا العلاقة التاريخية مع عائلة فرنجية، إلى واقعية لا تسمح بارتكاب الخطأ ذاته مرتيْن، ولهذا لن تكرر المملكة خطأ العام 2016، ولن تقدّم الغطاء لخيار تمّ تجريبه.
ما بات ممكناً قوله في الموقف السعودي من الملف اللبناني، إنّ المملكة بالتنسيق مع فرنسا، يمكن أن تبدي ايجابية في طرح اسماء توحي بالحدّ المقبول من الثقة، في طليعة هؤلاء المرشح «السيادي» ميشال معوض الذي يحظى بدعم كتل المعارضة والمستقلين، أمّا إذا دقّت ساعة الكلام عن تسوية كبرى، فإن اسماً واحداً يمكن الرهان عليه، وهو قائد الجيش العماد جوزيف عون، وهذا الاسم بات فعلاً، الطرح الأكثر جديّة في الطريق للوصول إلى تسوية.