تحدثت بيروت أخيرًا عن توقيف أمير سعودي، هو عبدالمحسن بن الوليد بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل سعود، الذي تم ضبطه في مطار رفيق الحريري الدولي محاولا نقل طنين من المخدرات إلى المملكة العربية السعودية.
والحقيقة أن السلطات اللبنانية تستحق التحية والعرفان نظير يقظتها ومهنيتها، فلولاها لكان احتمال دخول هذه الكمية الضخمة إلى المملكة واردا، رغم ثقتي بقدرات وزارة الداخلية السعودية ونباهتها.
على كل حال فإن الملفت في القصة أكثر من علامة، الأولى أن صورة جواز السفر الذي يحمله الأمير منته منذ شهر ايلول 2014، أي قبل قرابة العام من تاريخ توقيفه، كما أن إعلام الممانعة تلقف الخبر وكأنه إدانة للمملكة في لبنان، وهذا غير منطقي، فالأمير مغادر من لبنان إلى المملكة، وأكثر الصحف جرأة تحدثت عن أن الأمير حصل على المخدرات من مصدر ما في طريق المطار، ولم يرد الإعلام الممانع تحديد المنطقة أو البائع، لأنه حينها سيدين نفسه.
هذه القصة يجب أن تطمئن اللبنانيين إزاء المملكة، فهذا أمير جد والده هو الملك عبدالعزيز، ومع ذلك حين تم اتهامه بجرم ذهب إلى التوقيف مثله مثل غيره، ووزير الداخلية نهاد المشنوق أكد أنه لم يتلق أي اتصال بخصوصه، ولا أعتقد أن السلطات السعودية ستتسامح مع تهريب المخدرات إلى بلادها حتى لو كان المهرب من الأسرة الملكية، والأمير المذكور لا يحمل منصبا رسميا، وهو فرد من أسرة آل سعود التي يبلغ عددها نحو 5000 شخص فيهم الصالح وفيهم الطالح ككل بني البشر، ومع كل ما سبق فهو إلى هذه اللحظة متهم والكلمة الفصل للقضاء اللبناني، وإذا أدين الأمير بالجرم المشهود فهو بلا شك يستحق عقوبة قاسية ورادعة، وهذا مطلب السعوديين قبل أن يكون مطلبا لبنانيا، لأنه كما أسلفنا، فإن هذه الشحنة استهدفت المملكة العربية السعودية.
المأمول من إعلام الممانعة أن يشرح الصورة كاملة لجمهوره، من الواجب أن يتفضل ويعلن من أين حصل مرافقو الأمير على هذه الشحنة الضخمة، أهي منطقة تدخل في نفوذ حزب ممانع؟ ومن باعه إياها، أهو قريب لنائب مقاوم أو مغطى منه؟ لا داعي للدخول في التفاصيل لو سببت إحراجا، لنذهب إلى سؤال آخر: كيف تمكن التاجر من تصنيع، إن لم يدخلها من خارج لبنان، وتعليب وتسليم هذه الشحنة الضخمة في وضح النهار؟ ليس المطلوب أن يفلت المهرب من العقاب وهو يؤذي المملكة قبل غيرها، ما نطالب به أن تمتد يد العدالة اللبنانية وعصا الأمن اللبناني المهني إلى التاجر الذي يضر اللبنانيين قبل غيرهم.
لا بأس هنا بالتذكير ببعض الأخبار التي تداولها الإعلام على استحياء خلال سنوات مضت، وهي القبض على شبكات اتجار وتهريب المخدرات تابعة لما يسمّى بـ”حزب الله”، في حزيران 2005 بالإكوادور، في آب 2008 بكولومبيا، في نيسان 2009 بهولندا، في تشرين الاول 2009 بألمانيا، وفي كانون الثاني 2014 في أستراليا (وهناك شبكة أخرى أوقفت وأدينت بتبييض الأموال)، وهذا غيض من فيض لا يستثني غينيا بيساو والمكسيك والأرجنتين والولايات المتحدة. باختصار السعودية تتصدر الأرقام في مكافحة الجريمة والإرهاب، أما “حزب الله” فأرقامه تتصدر الإجرام نفسه، وفي لبنان لا تختلف المعادلة كثيرا، فالمملكة تدعم الجيش اللبناني والحزب الإلهي يقتل الملازم سامر حنا، السعودية تدعم الدولة اللبنانية والحزب الإلهي يعطلها.
توقيف الأمير السعودي (المتهم)، علامة مضيئة لصالح الدولة اللبنانية ولمصلحة المملكة، فاللقب الملكي لم يعق سير العدالة، ومن الواجب التذكير بحكم الإعدام الذي صدر في المملكة مطلع الألفية الجديدة ضد حفيد الملك سعود الذي لم تعف عنه أسرة القتيل إلا في اللحظة الأخيرة، وقبل عاميْن بالضبط صدر حكم إعدام آخر ضد أمير آخر، فأرسل والد القتيل للملك سلمان الذي كان وليا للعهد أنه لم يقبل الدية ولن يعفو، فرد سلمان في رسالة معلنة إلى وزير الداخلية نشرتها صحيفة (آراب نيوز) “الشريعة ستطبق على الجميع من دون استثناء، لا فرق بين كبير وصغير أو بين غني وفقير، وغير مسموح لأحد بالتدخل في قرار القضاء، هذا هو عرف هذه الدولة، ونحن ملزمون بتطبيق الشريعة”.
في المقابل دعونا نتذكر ما فعله ويفعله الحزب الإلهي، فالمحكمة الدولية تطلب تسليم خمسة متهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هم مصطفى بدر الدين (المدان بمحاولة اغتيال أمير الكويت في الثمانينات والهارب من السجن خلال الغزو العراقي للكويت)، أسد صبرا، سليم عياش، حسين العنيسي وحسن مرعي، والحزب الإلهي يؤوي المتهمين ويرفض تسليمهم، وذريعته في ذلك أن المحكمة الدولية عميلة للصهيونية ونحو ذلك، لكن الخارج على العدالة لا يحترم العدالة الدولية ولا العدالة المحلية، فالعنصر الحزبي محمود حايك (الذي أُشيع هلاكه في سوريا) مطلوب للتحقيق في قضية محاولة اغتيال النائب والوزير بطرس حرب عام 2012، وكالعادة فإن “حزب الله” رفض تسليمه للسلطات الوطنية والقضاء اللبناني، واخيرا كشف وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي كدنا نظن انتسابه القريب إلى سرايا المقاومة، مشكورا عن دور ما يسمّى بـ”حزب الله” في تغطية المجرمين في البقاع وغير البقاع.
إن حادثة توقيف الأمير السعودي أثبتت تشبّث المملكة، ومعها الدولة اللبنانية، بمنطق الدولة وسيادة القانون لا بمنطق الميليشيا والإرهاب، وقد تأكدت لنا في المقابل وظائف ما يسمّى بـ”حزب الله”، فالتواصل معهم متاح لمن أراد مرتزقة كما جرى ويجري في سوريا وغيرها، ومتاح أيضا لعمليات الاغتيال وتعطيل الدولة كما جرى ويجري في لبنان، ولا تنسوا العروض التسويقية والحسومات المغرية في تجارة المخدرات وتبييض الأموال، وما زالت قياداتهم تحدثنا عن الأخلاق وعن المقاومة، وكلنا يعلم من هي الشريحة الأكثر حديثا عن العفة.