تتقدم العلاقات السعودية ـ السورية، بعد عودتها الى طبيعتها قبل عام، وسبقتها الامارات العربية المتحدة اليها منذ العام 2018، بعد تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في العام 2012، مع اندلاع الازمة فيها في مطلع العام 2011، وشن حرب اتخذت الطابع الكوني قادتها اميركا، وشجعت حلفاء لها على المشاركة فيها مباشرة، او عبر الدعم العسكري والمالي، والانحياز الى ما سمي “المعارضة السورية”، التي كانت تنظيماتها مرتبطة بهذه الدولة او تلك، من ضمن مشروع اميركي للمنطقة، سمي بـ “الربيع العربي”، والاطاحة بانظمة عربية لمصلحة “الاسلام السياسي”، الذي تصدره تنظيم “الاخوان المسلمون”، وتمكنت من السيطرة عليه مجموعات ارهابية متطرفة كتنظيمي “داعش” و”النصرة” وتوائمهما.
فبعد نحو اكثر من عقد، حصلت “الصحوة العربية” تجاه سوريا، بان اخراجها من النظام العربي الرسمي لم يؤثر فيها، وان محاولة اسقاط نظامها فشلت، وبقي الرئيس بشار الاسد في رئاسة الجمهورية بعد استفتاءين شعبيين، وبدأت تتظهّر المؤامرة على سوريا، التي تتموضع في محور المقاومة، وهي على تحالف وثيق مع ايران، وعلى تعاون عميق مع روسيا، الذي يعود الى سبعينات القرن الماضي في فترة الاتحاد السوفياتي، فهبت موسكو وطهران لمساندة سوريا، وشكلتا سدا في وجه المخطط الاميركي، فحضرت كل منهما بقواتها العسكرية ومستشاريها العسكريين، وشارك حزب الله مباشرة في المعركة استباقياً لمنع امتداد الحرب الى لبنان من قبل الجماعات الارهابية، وخاض معارك ضدهم مع الجيش السوري في اكثر من منطقة سورية، لا سيما تلك المحاذية للحدود مع لبنان، ثم مع الجيش اللبناني في عرسال.
فالمؤامرة على سوريا لم تحقق اهدافها في اسقاط النظام فيها، او قطع شريان التواصل بين اطراف محور المقاومة من ايران الى لبنان، او اخراج روسيا من سوريا، لا سيما من قاعدة طرطوس البحرية، فازداد الوجود الروسي بانشاء مطار عسكري في “حميميم” على الساحل السوري، وانتشار مواقع عسكرية روسية في كل المحافظات السورية، التي باتت الحكومة السورية تسيطر على مساحات واسعة منها، مع بقاء جيوب للارهابيين في ادلب وشمال وشرق سوريا.
هذه التطورات الميدانية في سوريا، التي انفتحت على الحل السياسي لازمتها المفتعلة ضدها، وفق مصادر سياسية حليفة لها، فقامت باجراءات دستورية اصلاحية تحاكي مطالب المعارضة، التي لم تتفق على قيادة موحدة، او برنامج واضح، فتشتت واختفت وخسرت الحاضنات الخارجية، الا من بعض الدول، التي تستخدم بعض “المعارضات” لتحصيل تنازلات من القيادة السورية او في ملف النازحين، والتي ترفض الاملاءات عليها، لا سيما الاميركية.
وسبق للرئيس الاسد، ان واجه مطالب وشروطا اميركية نقلها اليه وزير الخارجية الاسبق كولن باول عام 2003، باقفال مكاتب المقاومة لا سيما الفلسطينية منها، وتحديداً حركة حماس، وقطع شريان امداد حزب الله بالسلاح في لبنان، وهذا ما حفّز واشنطن ان تحضر للمؤامرة على سوريا، التي ساندت المقاومة ضد الاحتلال العسكري الاميركي للعراق.
وجاءت المرونة السعودية تجاه سوريا بعكس الرغبة الاميركية، ومع الانفتاح الذي يمارسه ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان تجاه دول كانت بلاده على خصومة معها، لا سيما ايران وسوريا، فرفع شعار “صفر مشاكل”، وتوجه شرقا نحو الصين، ومتّن علاقاته مع روسيا، لا سيما في منظمة “اوبيك”، والتحكم باسعار النفط بغير ارادة اميركا.
هذه السياسة ادت الى عودة العلاقات السعودية ـ السورية في ايار 2023، فحضر الرئيس الاسد القمة العربية التي انعقدت في جدة في الشهر نفسه، فكانت البداية التي استكملت بتعيين سوريا سفيراً لها في المملكة ايمن سوسان، الذي قدم اوراق اعتماده في كانون الاول 2023، وشارك حينها الرئيس السوري في القمتين العربية والعربية ـ الصينية كترجمة للعلاقة الصينية ـ السعودية، التي كان من نتائجها الايجباية رعاية بكين لتفاهم سعودي ـ ايراني، وعودة العلاقات الديبلوماسية بينهما، كمدخل للامن ولاسلام في الخليج، وحل كثير من الازمات في المنطقة ومنها لبنان.
وكانت آخر لقاءات الاسد ـ بن سلمان في 16 ايار الماضي في القمة العربية الـ33 في البحرين، التي لم يشأ الرئيس السوري التحدث فيها. واستمر تطور العلاقات بين سوريا ودول عربية كانت قاطعت دمشق، والذي سيكون لها انعكاس ايجابي، وهو ما عبّر عنه الرئيس الاسد بعد لقائه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في نيسان الماضي، فاشاد بالانفتاح السعودي على الدول العربية ومساعدة سوريا، لا سيما في اعادة بناء ما هدمته الحرب، وبدأت الامارات بمشاريع اعمارية وستدخلها السعودية.
وعن تأثير عودة العلاقات السعودية ـ السورية في لبنان، فان مصدرا ديبلوماسيا يتوقع ان تكون ايجابية، وتستعيد مرحلة “السين ـ السين” التي بني عليها اتفاق الطائف، لوقف الحرب الاهلية، حيث يرى مرجع سياسي بهذا التطور في العلاقات انه سيكون لمصلحة لبنان، كما الانفتاح السعودي ـ الايراني، لكن اميركا لا تنظر بايجابية الى هذا الحدث السياسي، واحتمال تخريبه وارد من قبل اطراف تقدم علاقاتها مع واشنطن على السعودية، التي باتت تنظر الى لبنان عبر تعددية الحلفاء، وليس القطب الواحد كما كان الوضع في زمن “الحريرية السياسية”، التي ما زالت ابواب الرياض موصدة امامها، ولا الاعتماد على ثنائية وليد جنبلاط وسمير جعجع، اللذين فاجأهما الموقف السعودي الايجابي تجاه ايران وسوريا، وهما ما زالا في صدمة سياسية خذلا فيها، قد يستوعبها جنبلاط، ويعتبرها صح لانه يجيد القراءة السياسية، في حين ان جعجع جاهل لها.