الأيام المُقبلة ستُظهر نتائج اتصال ماكرون وولي العهد بميقاتي إذا ما كان فقط للمجاملة –
نجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إقناع السعودية بتغيير موقفها من قطع العلاقات الديبلوماسية مع لبنان، والمقاطعة التجارية له خلال جولته القصيرة الأخيرة على دول الخليج. وتجلّى ذلك من خلال الإتصال الذي أجراه الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي السبت برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بهدف إعادة وصل ما انقطع بعد الأزمة المستجدّة إثر تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي. غير أنّ السعودية وضعت “شروطاً” لعودة هذه العلاقات الى طبيعتها مع لبنان، وهو أن تقوم الحكومة بإنجاز الإصلاحات المطلوبة، وإقفال المعابر غير الشرعية، ووقف التهريب أو استخدام لبنان كممرّ لتهريب المخدرات وحبوب الكابتاغون وسواها. فهل هذا يعني عودة سريعة للتبادل الديبلوماسي، ولوقف مقاطعة الواردات اللبنانية، أم أنّ الأمور ستبقى على حالها، مع صعوبة تحقيق هذه الشروط في ظلّ استمرار “تعليق” الجلسات الوزارية منذ 14 تشرين الأول الفائت؟
مصادر سياسية عليمة أكّدت أنّ ميقاتي يسعى للعودة الى عقد الجلسات الحكومية قريباً، سيما وأنّه لا يُمكن أن يستمر العمل الحكومي من دون إقراره في مجلس الوزراء، خصوصا الإتفاقية مع صندوق النقد الدولي وسواها من الأمور التي تحتاج الى موافقة المجلس مجتمعاً عليها، فيما يؤخّر عدم انعقاد الجلسات الحكومية عملية الإنقاذ التي وعدت حكومة ميقاتي بإنجازها قبل موعد الإنتخابات النيابية في الربيع المقبل.
كذلك فإنّ لبنان بحاجة الى التواصل مع دول عدّة على صعيد الإستيراد والتصدير، بحسب المصادر، لكي يُخفّف من المخاطر عليه متى قامت إحداها بمقاطعته تجارياً، سيما وأنّ ضرب قطاع معيّن من شأنه التسبّب بخسائر كبيرة على القطاعات الأخرى. ولهذا، فإنّ تواصل لبنان مع الدول العربية والأجنبية يجب أن يكون مرناً وسلساً معها. والزيارة الأخيرة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى قطر كانت ممتازة على صعيد فتح أبواب جديدة أمام لبنان. فهناك 50 ألف لبناني في قطر من ضمن نحو 500 ألف لبناني يعمل في السعودية ودول الخليج، ولبنان حريص على أعمال هؤلاء وعلى مصالحهم في هذه الدول.
وفيما يتعلّق بالإتصال الذي أجراه ماكرون ومحمد بن سلمان بميقاتي، فتخشى المصادر بأن يكون اتصال مجاملة ليس أكثر، والأيّام المقبلة سوف تُظهر ما سيحصل على إثره على أرض الواقع، غير أنّ عودة السفراء الى كلّ من السعودية ودول الخليج ولبنان، تعطي إشارة معنوية بتحسّن العلاقات. علماً بأنّه يوم كان هؤلاء السفراء موجودون في لبنان، لم يقم السفير السعودي في لبنان وليد البخاري بزيارة رئيس الحكومة الأسبق حسّان دياب ووزراء حكومته، وكذلك فعل مع ميقاتي ووزرائه، ما يعني بأنّ السعودية لم تكن راضية على هاتين الحكومتين، وأنّ الأزمة كانت قائمة منذ ذلك الحين، وحتى قبله.
من هنا، تتوقّع المصادر نفسها عدم فتح صفحة جديدة بين لبنان والسعودية ودول الخليج جرّاء استقالة قرداحي ومبادرة ماكرون الأخيرة من دول الخليج، رغم أنّ الإتصال الذي حصل يُمكن أن يحمل معه بعض الإيجابية على ما ترى الجهات الإقتصادية. فالتصدير السنوي من لبنان الى السعودية يبلغ نحو 200 مليون دولار، فيما يصل مع دول الخليج الى 300 أو 350 مليون دولار كمعدّل وسطي. ولهذا فإنّ استمرار مقاطعة السعودية للبنان تُخسّر لبنان كلّ دول الخليج، ومن ثمّ الأسواق في بعض الدول. وحتى ولوعادت العلاقات الى نصابها، فيُمكن خسارة بعض الأسواق التي تكون قد استوردت منتوجاتها من دول أخرى، ولا تعود الى الشركات اللبنانية كونها عقدت إتفاقيات مع أسواق أخرى، لهذا لا بدّ من استدراك الأمر وتعويض الخسائر قبل أن تتضاعف.
وتقول المصادر بأنّ خطوة قرداحي فتحت كوّة كبيرة وفرصة أمام اللبنانيين، كون لبنان لا يُمكنه إلّا أن يكون ضمن الحاضنة العربية، لا سيما الخليج العربي، وهي خطوة مسؤولة لأنّها أتاحت عودة العلاقات الى طبيعتها تدريجاً. غير أنّ الشروط التي وضعتها السعودية، لا تختلف عن شروط فرنسا ودول الإتحاد الأوروبي والمجموعة الدولية، التي تُطالب لبنان بإجراء الإصلاحات الشاملة قبل حصوله على أي قرش منها.
من هنا، فإنّ حصول تبدّل كبير في العلاقات اللبنانية – السعودية بشكل عميق لن يتمّ قبل تنفيذ حكومة ميقاتي لشروط المملكة، غير أنّ السعودية التي كانت قد جمّدت مساهمتها في دعم لبنان من ضمن الدول المانحة، ستعود بعد مسعى ماكرون الأخير، على ما أكّدت المصادر عينها، الى تقديم الدعم المالي ولكن ليس للدولة اللبنانية، على غرار ما تفعل دول الخارج. فالمساعدات للجيش من قبلها ستعود، كما ستطال تقديماتها الشعب اللبناني، ولكن ليس عن طريق الدولة اللبنانية، التي لا تثق بها، بل عن طريق المنظمات غير الحكومية. وهذا الأمر سوف يحصل لاحقاً، في حال لمست سعياً من خلال حكومة ميقاتي بتنفيذ المطالب السعودية والخليجية.
أمّا لماذا لم يُجرِ ماكرون وولي العهد السعودي اتصالاً بالرئيس ميشال عون كونه رئيس جمهورية البلاد، فلأنّ السعودية، على ما أوضحت المصادر، لم تكن تؤيّد وصول العماد عون الى قصر بعبدا، حتى وإن استقبلته في أول زيارة قام بها الى خارج البلاد كرئيس للبنان. كذلك فهي تجد بأنّه على ميقاتي، كرئيس الحكومة الحالية، أن يفي بالوعود التي قطعها لماكرون أوّلها استقالة قرداحي، ومن ثمّ السعي لفتح صفحة جديدة بين لبنان والسعودية ودول الخليج تقوم على حلّ الخلاف في وجهات النظر في مسائل عدّة.
وبرأي المصادر، إنّ ترميم العلاقات مع السعودية ودول الخليج، لا يضرّ بالمصالح اللبنانية ولا بمصلحة حزب الله بل على العكس، لا بدّ وأن يؤدّي الى انفراجات عدّة منتظرة على جميع الصعد، تُتوّج باجتماع الحكومة قريباً، لكي تتمكّن من البدء بعملية الإصلاح المطلوبة منها قبل موعد إجراء الإنتخابات النيابية بعد أشهر. كذلك فإنّ الإنفتاح الخليجي على إيران، وقد قام مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد الإثنين بزيارة الى إيران، فيهدف الى تعزيز التقارب الإسلامي – الإسلامي، أي السنّي- الشيعي، وهو إذا حصل فسوف يؤثّر إيجاباً على لبنان.
غير أنّ الترميم لا يعني بالضرورة عودة العلاقات الى ما كانت عليه قبل تصريحات قرداحي والأزمة المفتعلة، إلّا إذا تمكّنت حكومة ميقاتي من تنفيذ شروط السعودية الصعبة، في المرحلة الراهنة، وإن لم تكن مستحيلة.