IMLebanon

عنوان سعودي جديد للمرحلة..

يحلّ اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية هذا العام، ورنة من الأسى تشغل الأشقاء السعوديين حزناً على الشهداء الأبطال في اليمن، ومؤاساة للضحايا الأبرار في الحرم المكي.

ولكن المتتبعين لمسيرة التقدّم والتطوّر في المملكة، يُدركون جيداً أن قدرات الشقيقة الكبرى أقوى من الحوادث المفاجئة، وأشد بأساً من تحديات وتهديدات المتلاعبين بأمنها واستقرارها، وكل محاولات النيل من دورها ومكانتها، عربياً وإسلامياً ودولياً.

وأكّدت تطورات «عاصفة الحزم» في اليمن، أن المملكة متأهبة دائما، للتصدّي لكل ما يشكّل خطراً على الأمن الوطني، وللدفاع عن كل ما يمسّ الأمن القومي لأشقائها العرب، وخاصة اليمن، الجارة الأقرب للمملكة، والتي تجمع الروابط الأسرية، والعلاقات الأخوية، والمصالح التجارية، بين الشعبين الشقيقين، في إطار من العلاقات التاريخية المتينة، التي لن تقوى عليها حركة تمرّد من الحوثيين، أو مخطط إنقلابي من المخلوع علي عبدالله صالح.

وإطلاق عمليات التحالف العسكرية في اليمن، لا يعني أن المملكة تخلّت عن سياستها المعروفة في اعتماد الديبلوماسية والحوار والتفاوض لمعالجة الأزمات الشائكة، ولكن عدم استجابة الأطراف الأخرى لنداءات الحوار والتفاوض واعتماد الحل السياسي للأزمة اليمنية، دفع القيادة السعودية إلى خيار المعالجة العسكرية، حفاظاً على وحدة اليمن، شعباً وأرضاً ودولة أولاً، ولمنع وصول التسلّل الحوثي الإيراني إلى الأراضي السعودية ثانياً وثالثاً ورابعاً.

ورغم ضراوة المواجهة النارية الدائرة في مختلف المناطق اليمنية، فقد أثبتت المملكة مدى حرصها على الشعب اليمني، وتوفير متطلبات الدعم والصمود للشعب اليمني الشقيق، وذلك من خلال مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التاريخية بإنشاء مركز الإغاثة العالمي لتقديم كل المساعدات المطلوبة لليمنيين، فضلاً عن إعلانه تعهّد السعودية بإعادة بناء كل ما دمّرته حرب الحوثيين ضد الشرعية الدستورية والوحدة اليمنية.

غير أن عاصفة الحزم التي تحوّلت إلى عملية لزرع الأمل من جديد في اليمن، البلد العربي الأصيل، لم تكن مجرّد عملية عسكرية لدعم الشرعية اليمنية وحسب، بقدر ما تحوّلت إلى عنوان للمرحلة الراهنة في المنطقة العربية، تجسّد سياسة التصدّي للأخطار التي تحملها سياسة التوسّع الإيرانية، وتحفظ للسعودية دورها ومكانتها في إدارة النظام القومي العربي.

ويعتبر هذا التطوّر الاستراتيجي في السياسة السعودية، الإنجاز الأول للعهد الجديد بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولى عهده الأمير محمّد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان، إلى جانب الخطوات الأخرى التي تمّ اتخاذها بسرعة قياسية، وكان هدفها إطلاق ديناميكية جديدة لآلية الحكم، تجمع بين حكمة الشيوخ وخبرتهم، وطموح الشباب واندفاعهم إلى العمل في خدمة الوطن والمواطنين، وفق منظور يعتمد المقاييس الحديثة في التخطيط والإنجاز.

* * *

ولا بدّ من الإعتراف بأن تطورات المواجهة العسكرية في اليمن، ومتطلبات الحرب ضد الإرهاب، قد تركت تداعيات مختلفة على بعض الملفات التي كانت حتى الأمس القريب من أولويات السياسة السعودية، وفي طليعة هذه الملفات الدعم السعودي للبنان.

تتميّز العلاقات الأخوية بين لبنان والمملكة بشفافيتها ومتانتها، والقواعد الصلبة التي تقوم عليها، منذ أيام الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في أواسط الأربعينات من القرن الماضي، والقائمة على الإحترام المتبادل، وعلى شبكة واسعة من المشاعر الإيجابية، تعزّز تفاعل المصالح المشتركة بين الشعبين الشقيقين.

لقد وقفت المملكة إلى جانب الشقيق الأصغر في المحن والملمّات والأزمات، سواء طوال سنوات الحرب السوداء، أم من خلال إتفاق الطائف الذي أعاد الأمن والسلام إلى ربوع لبنان، أم في مرحلة إعادة ما دمّرته الحرب، من بنية تحتية ومدارس ومستشفيات وأوتوسترادات، يبقى إنجازها خير شاهد على علاقات الودّ والتعاون بين البلدين الشقيقين.

وجاءت المبادرة السعودية المليارية، لدعم الجيش والقوى الأمنية بالسلاح والعتاد، لتحقّق نقلة نوعية وتاريخية للجيش اللبناني، وتمكينه من مواجهة خطر الإرهاب المتسلّل من الآتون السوري المشتعل، بعد توفير التسليح والتجهيز بأحدث المعدات والأسلحة البرّية والجوّية والبحرية.

غير أن ما افتقده اللبنانيون منذ سنوات، وخاصة البيئة المتعاطفة مع سياسة السعودية وتوجهاتها، القومية والإسلامية والدولية، هو غياب الدعم السعودي المباشر للمؤسسات الإجتماعية والتربوية والصحية، وكذلك الحال مع المؤسسات الإعلامية، حيث بات الفريق الحليف للمملكة في لبنان، يُعاني من سلسلة أزمات مادية ومعنوية، إلى جانب صعوبات شتى، تهدّد استمرار معظم تلك المؤسسات والجمعيات في أداء مهماتها الإنسانية والخيرية والإعلامية.

ورغم كل ذلك..،

الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تعتبر نفسها شريكة طبيعية مع الأشقاء السعوديين في اليوم الوطني للمملكة، متمنين زوال الغمّة الحالية عن السعودية، وكل الأقطار العربية.