IMLebanon

العلاقات السعودية- التركية… إلى أين؟

منذ لحظةِ حضورِ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة العربية السعودية للمشاركةِ في تشييع الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، ووقوفِه إلى جانب الملك الجديد سَلمان في مراسم الدفن، وغيابِ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن هذا المشهد البالغ الدلالة، انبرى عددٌ من المحلّلين للحديث عن ملامحِ تحالفٍ جديد من شأنه أن يُعيدَ الحرارة إلى العلاقات التركية-السعودية التي شهدت فتوراً خلال الفترة الأخيرة.

تحالفٌ عصبُه مواجهة المدّ الإيراني الممتدّ من العراق وسوريا ولبنان إلى اليمن والبحرين، والتخوّف من إبرام مجموعة خمسة زائداً واحداً اتفاقاً نووياً مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والشعور بالعزلة الذي ستعيشه أبرز قوتين إقليميَتين في الشرق الاوسط، الرياض وأنقرة عقب ذلك، من دون إغفال الخطر الذي يجسّده تنظيمٌ «الدولة الإسلامية».

لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه، ما هي إمكانات تبلور حلف أو محور يجمع تركيا والسعودية وباكستان مثلما يجرى الحديث عنه وما هي العقبات التي قد تعترضه؟

يعتبر العضو السابق في مجلس الشورى السعودي الدكتور محمد آل زلفة أنّ زيارة أردوغان الأخيرة هي محاولةٌ لـ»فتح باب من التفاهم»، بعد فترة «جمود» في العلاقات السعودية – التركية لاختلافهما حيالَ بعض قضايا الشرق الأوسط.

ويذكّر بأنّ الملك الراحل عبدالله كان أكثر حماسةً من خلفه الملك سلمان للتعاون مع تركيا، لكنّ هذه «الحماسة انقلبت الى عدم ارتياح، بعد أحداث مصر وليبيا، ودعم أنقرة لبعض الفئات المتطرّفة المحسوبة على الإسلام السياسي». أمّا اليوم فأردوغان جاءَ ليؤكّد «عمق العلاقات السعودية- التركية، وضرورة التعاون في القضايا الملتهبة وبحث إمكانات التنسيق».

ويقول زلفة لـ«الجمهورية»: «لدى تركيا توجّسٌ من المدّ الإيراني مع العلم أنّ أنقرة تُبقي على حدٍّ من التعاون في علاقتها مع طهران، فتركيا لديها مصالح في العراق ومع الأكراد، والمواجهة بين إيران وتركيا هي على مناطق نفوذ المصالح، لذا تسعى تركيا الى تصحيحِ أوضاعها في المحيط العربي ذي الطابع السنّي».

ويشير إلى أنّ «حذرَ تركيا من التمدّد الإيراني يتصاعد، بعد أن راهنت أنقرة على موقعٍ لها في اليمن، اليوم الحوثيون وبدعم من إيران سيطروا على صنعاء وهذا له دلالة كبرى».

لكنّ الحديث عن «محور سنّي في مواجهة المدّ الشيعي أمرٌ مرفوض» في نظر السعودية التي لديها «حذرٌ من المجابهات المذهبية» على حدِّ تعبير زلفة، متَهِماً إيران بممارسة ذلك في المقابل، ما جعل دول المنطقة قلقةً من سلوك طهران وإمكانية تشكيلها محوراً مع الولايات المتحدة في مواجهة دول المنطقة، في حال أبرمت اتفاقاً نووياً مع الغرب.

ويتابع زلفة: «أنّ السعودية قلقةق جداً بفعل تحوُّل الدول العربية الى مسرح للتدمير والفوضى، وهذا ما يدفعها إلى فتح صفحة جديدة مع تركيا لمجابهة هذه المخاطر».

لكنّ في نظره لدى الملك سلمان «قناعة بان ليس من مصلحة تركيا الاستمرار في دعم فئة متطرِّفة على حساب مصلحة الشعب المصري الذي عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي وانتخب رئيساً أخر، وربما ينجح الملك في تهدئة حماسة الإسلام السياسي لدى أردوغان».

ويذكّر بأنّ تركيا أرادت مصرَ في السابق بوابةً لنفوذ الإسلام السياسي، لكنّ السعودية لن تقبل بالتمدّد التركي على حساب الأمن القومي للدول العربية.

أمّا الحديث عن رغبة الملك سلمان بالإستدارة ناحية «الإخوان» كقوّة داعمة في الصراع مع إيران، فيعتبره زلفة «مجرد مقولات يروّج لها بعض الماكينات الإخوانية لاستدرارعطف الملك سلمان وإصلاح الأمور معه»، مشدِّداً على أنّ خطّ الملك سلمان واضحٌ «لا مصالحة مع المتطرفين والمتشدِّدين، الذين تتحمّل تركيا الى حدٍّ ما مسؤولية تغذيتهم».

الجانب التركي

على المقلب الآخر، يرى رئيس تحرير «Turkish Review» كريم بالجي في حديث لـ»الجمهورية» أنّ محورَ التقارب الحالي بين تركيا والمملكة العربية السعودية «ليس مردّه التهديد المشترَك الذي يجمعهما في مواجهة إيران، بل الضغط الأميركي على البلدين لتشكيل جبهة ضدّ داعش». فزيارة أردوغان الى السعودية هي «لاستكمال سلسلة من اللقاءات» بدأت بين البلدين حول هذه القضية.

إذ سبق وذهب وزير الداخلية التركية أفكان آلأ الى الممكلة في 16 و17 شباط الماضي، للمشاركة في اجتماع وزاء داخلية الدول التي تحارب «داعش». بعدها توجّه قائد الجيش التركي الجنرال نجدت أوزال في 18 و19 شباط الماضي، حيث اجتمع مع قادة جيوش دول عدّة تواجه «داعش» وتنظيم «القاعدة»، بمن فيهم قائد الجيش الأميركي ورئيس القيادة العسكرية الأميركية في أوروبا.

فمحور المحادثات الحالية بين تركيا والمملكة العربية السعودية يتركز على «تصوّرات التهديد المشترَك الذي تمثّله الدولة الإسلامية وليس إيران» في نظر بالجي. لكنّ ذلك لا يلغي «أنّ البلدَين لديهما إمكانية للتعاون ضدّ الطموحات الإيرانية في المنطقة.

فتركيا في حال حرب باردة مع إيران في كلٍّ من العراق وسوريا. ولا أحدَ يريد تحويل هذه الحرب الباردة الى حارة. أما السعوديون فقلقون أكثر من النشاطات الإيرانية في العراق والبحرين واليمن».

ويقول بالجي: «إنّ نسبة الشيعة أو العلويين الذين يمكن تعبئتهم كوكلاء للنظام الايراني في السعودية وتركيا على حدٍّ سواء مماثلة تقريباً، وهي تشكّل نحو 15 في المئة. تركيا قلقة أيضاً من صعود الإسلام الشيعي في بلدان مثل أذربيجان وطاجيكستان وباكستان، وطبيعياً هي الحليفة لأنقرة».

من جهةٍ أخرى، تستفيد تركيا من «إنخفاض أسعار النفط، إيران وروسيا تعانيان، وهذا يصبّ في مصالح تركيا الإقليمية. تركيا تربح مالياً واستراتيجياً بفضل السياسات السعودية بتغذية سوق النفط، هاتان قضيتان يمكن للنظامين السعودي والتركي أن ينطلقا منهما للتعاون».

لكن يبقى بعض العثرات في نظر المحلِّل التركي يعيق قيام تحالف حقيقي بينهما. ويقول بالجي: «ليس خافياً على أحد أنّ تركيا على خلاف مع نظام السيسي في القاهرة. هناك إشاعات سرت بأنّ الملك سلمان كان يخطّط لجمع السيسي وأردوغان خلال زيارتهما الى السعودية لحلّ الأزمة بين تركيا ومصر.

لكنّ المشلكة ليست بين البلدين أو بين الرجلين. المشكلة تمكن في تصوّر أردوغان أنّ الاخوان المسلمين هم «الممثل الشرعي الوحيد» في مصر. وبما أنّ «الإخوان» باتوا يصنفّون كمنظمة إرهابية في مصر، بالتالي لن يكون سهلاً على تركيا والسعودية تخطي هذه المسألة».

المسألة الثانية هي في تجاهل السعودية للتراث العثماني في المملكة، ولا سيما استعدادها لتدمير الرواق حول الكعبة من دون التعاون مع تركيا. الشعب التركي لديه حساسية تجاه محو الوهابيين التراثَ العثمانيّ، لذلك لن يكون من السهل تخطي هذه المسألة الحساسة.

توازياً، هناك قضايا ملِحَّة مثل الطموحات النووية الإيرانية، ففي حال إمتكلت طهران القدرة على إنتاج قنبلة نووية، وهذا ما «ستفعله يوماً ما «على حدّ تعبير بالجي، سيكون أمام السعوديين خياران، إمّا «أن يسعوا بأنفسهم إلى إمتلاك سلاح نووي وبدء مناقشة جديدة لقدراتهم العسكرية، أو توفير التمويل لتركيا لبناء قنبلة نووية وترك المحادثات الدبلوماسية للأتراك، المرحّب بهم في النادي النووي، أكثر من السعوديين».

ويتابع: «السعوديون سيتبنّون الخيار الثاني، عندها ستكون تركيا الدولة النووية السنّية التي ستحول دون استخدام إيران أسلحتها النووية ضدّ أيّ بلد سنّي في المنطقة».

ويرى بالجي أنّ هناك إشارات بأنّ الملك السعودي الجديد يقارب السياسات الإقليمية بشكلٍ مغاير لعبدالله الذي سعى إلى تحالف شامل، لكنّ الموقف التركي ليس واضحاً، في الماضي كانت السياسة الخارجية يتولّاها أحمد داوود أوغلو، أمّا اليوم فلدى أردوغان الكثير ليقوله في ما خصّ سياسة تركيا الخارجية.

جميعنا يعلم أنّ داوود أوغلو «أكثر ميلاً للعمل مع إيران، في حين أنّ لأردوغان عقيدة سنّية تمقت الشيعة، ووحدها الانتخابات المقبلة في 8 حزيران ستحدِّد مستقبلَ السياسة الخارجية التركية» على حدِّ تعبير بالجي.

ومن المفارقات أنّه إذا حقق داوود أوغلو فوزاً عظيماً، سيخسر في نظر بالجي، لأنّه إذا حصل حزب «العدالة والتنمية» على عدد كاف من المقاعد لتعديل الدستور، «سيحوّل النظام التركي الى رئاسي، ولن يعود هناك وجود لمنصب رئيس الوزراء في ما بعد.

وإذا أخفق داوود أوغلو، سيخسر رئاستَي الوزارة والحزب. عليه أن يفوز بـ40 الى 42 في المئة، لا أكثر ولا أقل. وهذا بالتأكيد من شأنه أن يحدِّد مستقبل العلاقات التركية-الإيرانية، والتركية – السعودية».

يتفّق رئيسُ قسم العلوم السياسية والعلاقات الدَولية في جامعة MEF في اسطنبول الدكتور مصطفى كبار أوغلو مع بالجي بأنّ تركيا والسعودية تشعران بالقلق نفسه إزاء الآثار العسكرية المحتمَلة من قدرات إيران النووية.

ويقول لـ«الجمهورية»: «في حين يعترف المسؤولون الأتراك في حقّ إيران امتلاك الطاقة النووية السلمية، فإنهم يذكّرون نظراءهم الإيرانيين باعتماد الشفافية القصوى حول إنجازاتهم ونواياهم». ولكنّه يستبعد أن تذهب تركيا إلى حدّ «إنشاء اتفاق مع السعودية وباكستان على أساس تصوّر تهديدٍ مشترَك من إمكانات إيران النووية وقدراتها العسكرية».

ويذكّر بأنّ تركيا وإيران نعمتا بسلامٍ طويل منذ معاهدة قصر شيرين التي وقعت بين العثمانيين والصفويين في 1639، وباستثناء العلاقات المضطربة في 1990، طوّرت أنقرة وطهران علاقاتهما بشكل مطّرد في المجالات السياسية والاقتصادية.

وبصفتها عضواً في «حلف شمالي الأطلسي» وافقت تركيا على نشر أجزاء من نظام الدفاع المضاد للصواريخ الباليستية على أراضيها، لكنّها اعترضت على ذكر صراحة إسم إيران باعتبارها مصدر التهديد.

ويشير كبار أوغلو إلى أنّ تركيا رغبت بلعب دور الوسيط بين إيران وما يسمى مجموعة «5 +1» لإجراء مفاوضات بشأن برنامج إيران النووي. من ناحية أخرى، لتركيا وباكستان، علاقات خاصة جداً منذ أن نالت الأخيرة استقلالها عن بريطانيا عام 1947.

فالتعاونُ بين أنقرة وإسلام أباد هو في مجالات سياسية وإقتصادية وعسكرية وثقافية متعدّدة. وبالتالي يمكن اعتبار طبيعة هذه العلاقة «كتحالف غير معلَن بين البلدين الشقيقين تعود جذوره إلى حرب التحرير التركية ضدّ قوى الإحتلال في أعقاب الحرب العالمية الأولى تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك الذي اعترف دائماً بقتال الباكستانيين إلى جانب الأتراك»، يتابع كبار أوغلو.

في المقابل، يذكّر كبار أوغلو بأنّ المملكة العربية السعودية وتركيا بقيتا متباعدتَين لعقود عدّة وحتى وقت قريب، وواجهتا مشكلة إسقاط مرسي في مصر، في وقت كانت الرياض وأنقرة تخططان لإستثمارات مشترَكة تُقدَّر بعشرات المليارات من الدولارات.

ويختم كبار أوغلو بالتشديد على أنّه طالما بقيت علاقات الحكومة التركية مع مصر على أدنى مستوياتها كما هو واقع الحال اليوم، من الصعب أن نتصوّر حتى في ظلّ عهد الملك الجديد في المملكة العربية السعودية الذي لا نتوقع أن يتخذ منعطفاً جذرياً في سياسة المملكة الخارجية أنّه يمكن للعاصمتين الحديث عن تقدّم في مسار أيّ تحالف.