Site icon IMLebanon

التوحّش كوظيفة ممانعة!

كلما ضرب الإرهاب الطلاسمي، تركيا أو أي دولة أوروبية أو عربية (خليجية)، خرج أهل الممانعة في نواحينا إلى تكرار ذلك السفّ المريض عن «البضاعة التي تعود إلى أصحابها»، وإلى توظيف الفتك الأعمى بالناس واستهداف الاستقرار والأمن في مجتمعات خرجت منذ عقود من مناخات العنف السياسي والديني و»الطبقي»، في سياق حروبهم المفتوحة ضد كل آخر.

وتلك من عاديات الممانعين و»ثقافتهم»، ولا تفاجئ في آخر الرواية، أحداً؛ مثلما لا تفاجئ في بدايتها عاقلاً! بحيث إن التوحّش بكل طقوسه وأبوابه وعناوينه هو سمة ملازمة لنشوء وتطور واستمرار سلطات الاستبداد أكانت هذه على مثال سلطة «البعث» في سوريا، أو سلطة الخطاب الديني – القومي في إيران، أو القومي الاستعادي (الديني!) في روسيا، والتي، على فوارقها العميقة والرقيقة، تتلاقى عند الخلاصة المكثّفة القائلة بأن العنف وحده لم يعد يكفي للصمود والبقاء و»الانتصار» في عالم معقّد ويتغيّر باطّراد وعلى طريقة قفز الأرانب!

العنف كأيديولوجيا وآليات نظامية، يتلاقى مع زمن كان فيه التغيير، في الآليات والأنماط والتصنيع والرؤى والأذواق والسلوكيات، يتم على وتيرة تنقّل النملة: سرعة بطيئة ومتوترة في حيّز ضيّق ومقفل! أي كان عنفاً يليق بعصره! ويعتمد تركيبات وتسميات تتماشى مع ذلك العصر ومع معاركه الكثيرة في إطار «الحرب الباردة»!

لكن ذلك عصر مضى وأفل وغاب! وعالم اليوم محكوم بالصدمات! العام الواحد فيه يوازي عقداً أو عقدين سابقين أو أكثر. والذي يسري في التكنولوجيا يسري في عرف «الممانعولجيا» على آليات التحكم والسيطرة! وما عاد العنف «العادي»، المؤدلج أو الممنهج ينفع في عالم الصدمات الراهن هذا! تطورت «أذواق» الناس وعاداتهم مع تطور واتساع مدارات المعرفة والاطلاع المباشرين والسريعين وارتفعت مع ذلك مستويات الحساسية إزاء الاستبداد أو شبهته أو إزاء محاولة صدّ وكبح سياقات التطور والتواصل، كما ارتفعت الحساسية البشرية العامة إزاء أي عنف يلحق بالأفراد والجماعات!

.. صار أهل الاستبداد غير قادرين، كما في السابق، على أدلجة توحّشهم واستبدادهم! وغابت تحت سابع أرض مصطلحات تمجّد العنف وتعطيه أوصافاً تجميلية طنّانة رنّانة! لكن أمكن في المقابل تمجيد التوحّش في ذاته من خلال ادعاء محاربته! أي جرت عملية مواكبة للعصر وآلياته بما يليق بمنطق الصدمات ذاته! ويمكن تقديم ألف رواية ورواية تربط ظواهر التوحّش الراهنة بتفاصيل تصل إلى غرف عمليات محور الممانعة! كما يمكن تقديم غيرها ووصلها بعواصم عالمية مثلاً!

.. وحدها «ثقافة» العنف المؤدلج والمتراكم تربط السياسة (والسلطة!) بالعدم والعبث ولا تخجل من توظيف بطش الكواسر والضواري في خدمتها!