Site icon IMLebanon

إنقاذ لبنان عبر العودة إلى الدستور والطائف

 

 

كأنّ لبنان لا يكفيه الانقسام السياسي الحاد بين فئاته السياسية والدينية والاجتماعية والمناطقية، ليأتي من ينتهج ممارساتٍ خرقاء تزيد الانقسام القائم خطورةً على مصير البلد. ولم يعد خافياً أن مردّ المشاكل في الحياة السياسية اللبنانية هو الاستنسابية في تفسير الدستور وتطبيقه، والتمادي بتجاوزه ومحاولة إرساء اعراف من خارجه، وصولاً الى سعي البعض لتثبيت قواعد مناقضة لروحية اتفاق الطائف الذيأنهى الحرب الاهلية اللبنانية بوضعه ركائز النظام السياسي اللبناني الحالي.

وإذا كانت علّة لبنان هي التواء الممارسات السياسية فيه بسبب الابتعاد عن قواعد الحكم، فحتماً يكون الدواء والشفاء في العودة الى الدستور، وتحديث مواده، وتطبيق إصلاحات اتفاق الطائف، مما يشكل مدخلاً الى انتظام الحياة السياسية اللبنانية في سياق القريب والبعيد.

من هذا المنطلق وفي الشق المتعلّق بأزمة تأليف الحكومة، هناك عدّة ممارسات تشكّل تعدّياً فاضحاً على الدستور، ويُترجم بتقويض صلاحيات الرئيس المُكلّف وتقييد حركته بحجّة «الوفاق الوطني»، فلا يجوز ان تفرض الكانتونات الحزبية شروطها على الرئيس المكلّف وتذهب الى حدّ منع المساس بـ»حقائبها» وكأنها حقٌّ مُكتسب، او ان تفرض تمثيل شخصيات سياسية تدور في فلكها، وذلك أن الدستور حدد في المادة /٦٤/ منه ان تأليف الحكومة يكون بالاتفاق بين الرئيس المُكلّف ورئيس الجمهورية من دون تدخل طرف ثالث.

وبالرغم مما ورد في المادة /٦٤/ إلا ان ذلك لا يعني ان يتدخّل رئيس الجمهورية في الحُكم مباشرةً، والكلام عن حقه بتسمية وزراء من باب معاونته في الحفاظ على الدستور وحماية الدولة هو أمر غير ملحوظ في دستور الطائف، الذي لم يعطه سلطة مباشرة وأعفاه من المساءلة، واتاح له ان يترأس مجلس الوزراء عندما يشاء دون أن يشارك في التصويت. وهو ليس مسؤولاً عن تنفيذ السياسات العامة للدولة أمام مجلس النواب، بعكس مجلس الوزراء الذي اناطه الدستور بالسلطة الإجرائية سنداً للمادة /٦٥/ منه، والذي يتحمّل بموجب المادة /٦٦/ تبعات سياسته العامة امام مجلس النواب. وبذلك تأتي بدعة «حصّة الرئيس» للالتفاف على الدستور، حيث تسمح له بالقبض على وزارات اساسية يمكنه من خلالها الحصول على بعض النفوذ في تقرير وتنفيذ السياسات العامة للدولة.

وبغضّ النظر عمّا سبق، فإن جميع «العُقد» هي نتيجة محاولة ابتكار سوابق واعتماد افكار ليس لها وجود في الدستور، إذ ليس هناك أساس دستوري لتوزيع الحصص والحقائب على الكتل النيابية، بل هو ترسيخ للمحاصصة الطائفية والمذهبية التي تمنع قيام دولة المؤسسات والقوانين. ولا يستوي الحال إلا عند احترام النصوص الدستورية، وصولاً الى تحديثها لكي تتماشى مع الواقع اللبناني الجديد وتحديث وتأصيل الإدارة الديمقراطية للتنوع الديني والثقافي في لبنان.

أمّا في الشق المتعلّق بالانقسام الطائفي والمذهبي، فهو موروث عن الحرب الأهلية البغيضة التي انتجت فرزاً دينياً ومناطقياً آنذاك، والمستمر الى يومنا هذا بسبب المشادات الطائفية بين جميع «الفصائل» السياسية، كل فصيل له تبعية خارجية، مع استمرار السلطة السياسية في تجاهل تنفيذ تطبيق بنود الطائف الإصلاحية بسبب مصالحها. ولا سبيل سوى عبر إيجاد وسائل لإعادة الإدماج السياسي وإيجاد التوازن المناسب بين هوية وطنية جامعة وبين تعدّدية دينية واجتماعية وثقافية وسياسية. وهذا يعني استجماع إرادة سياسية وطنية تدفع باتجاه الغاء الطائفية السياسية تطبيقاً لإصلاحات النظام السياسي اللبناني كما ورد في اتفاق الطائف، ما يفتح المجال أمام قيام دولة مدنية، وبذلك يتم انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وتأليف حكومة مُحيّدة عن التجاذبات الطائفية والسياسية فتكون المعايير في اختيار الوزراء هي الجدارة والأهلية والفعاليّة والكفاءة، على ان يتبع ذلك إقرار اللامركزية الإدارية والقوانين التطبيقية، ومنها قانوناصول العمل في مجلس الوزراء، وقانونالسلطة القضائية المستقلة وقانونالدفاع الوطني وقانون تنظيم رئاسة الجمهورية.

أمّا إذا استمرّت الطبقة السياسية في نمط تصرفها التدميري وإثارة النعرات، فسيؤدي ذلك الى مضاعفاتً قد تكون كارثية، ذلك انثمّة ما يشير الى إمكانية تكرار ما حصل في العام 1975 نظراً للظروف المشابهة التي يعيشها لبنان اليوم بسبب العوامل الاقتصادية الاجتماعية الطبقية والناتجة عن انتشار الفقر والبطالة وغلاء المعيشة، والعوامل السياسية الطائفية والمذهبية المتأزّمة، والعوامل الخارجية والخطورة التي تجسّدها الصراعات بين المحاورالإقليمية