ـــــ ١ ـــــ
ثمة شيء ينتمي إلى الفانتازيا في الأيام التي نعيشها.
ليست فانتازيا مثيرة للسعادة على أية حال، لكنها من النوع الذي يحفر مساره الغريب واللامرئي بعيداً عن أحداث تدور حول موت الدول وحياتها..
وفي بلاد كالتي نعيش فيها، تبنى على الموت، وانتظار المعجزات، وتعفن الزمن، كيف يمكن أن تجد دفاعاً عن الحياة؟
في دول يتعارك ماضيها (الإسلامي) مع ماضيها (الحداثي) في تنافس مفرط على الموت، كيف يمكن أن نسمع هتاف «نريد حياة نظيفة» أو «أنقذونا من الاحتباس الحراري»؟
كيف رأينا تظاهرات التحرّك الشعبي من أجل المناخ والبيئة التي تناثرت في بعض البلاد العربية..؟ هل ضحكنا؟ ابتسمنا؟ شعرنا بالمصيبة؟ أم استسلمنا باعتبارها مؤامرة كونية واعتبرنا الآلاف من المدافعين عن البيئة مجرد «أطفال الرفاهية»؟
… ثمة فانتازيا في الاصطفاف المدهش حول معارك الذهاب إلى الموت، بدلاً من الدفاع عن الحياة، وتقلّص مساحة الإنسانية في الخطابات اليومية، أو السياسية… جدل في مواقع التواصل الاجتماعي، أو في المواقف التي يختارها الناس من قضايا العالم.
ماذا فعلت تربيتنا على كراهية الحياة؟ أو اعتبارها مجرّد معبر إلى الجنة/ جهنم؟
ماذا فعلت هذه التربية سوى تكوين أمراء كراهية؟ وبلاد تحولت إلى مزابل؟
كيف ننظر بعد كل هذا الموت في حياتنا إلى كوارث قد تغرق فيها مدننا… ونشارك العالم في مواجهة الاحتباس الحراري؟
ـــــ 2 ـــــ
أصواتهم خافتة جداً
يهتفون «نريد حياة نظيفة»… يريدون أن تسمعها قمة المناخ. وبرغم أن في القمة رعاة قتل البيئة، إلا أن الخطر من الاحتباس الحراري الناتج عن استخدام طاقة ملوثة للبيئة (فحم/ غاز/ بترول) سيؤدي إلى كوارث تتعلّق بالغذاء (نقص معدّلات إنتاج القمح/ تقلّص الأرض الزراعية/ ازدياد الأيام الحارة).
الدفاع عن البيئة… صراع ضد الجنون واللهاث والأنانية المفرطة في استهلاك البيئة ودفع الكوكب إلى مستوى الحياة الصعبة والمميتة، صراع يعكس توحّشاً رأسمالياً، بالتحالف مع حكومات وأنظمة تعيش على «استهلاك مجنون» يتبعه دمار تدريجي.
هل نسمعهم. إذن؟
تبدو صرخاتهم خجولة بالنسبة لأصوات الوحوش المتصارعة. إنهم غرباء، أو سذج، أو هامشيون إلى درجة البلاهة، فهم يحلمون ببيئة نظيفة/ في دول تحوّلت إلى مزبلة مفتوحة، أو عادت إلى الفحم بينما يحاول العالم الهروب بالطاقات المتجددة.
نشطاء البيئة في أوروبا أصبحوا تقريباً «يسار» الأحزاب السياسية في أوروبا، وبعد بداياتهم الخجولة يستعدون للقفز إلى مساحات سياسية أكبر بعيداً عن الصراعات الكلاسيكية في أوروبا، وهنا في هذه البقعة التي تدافع عن هويتها بالموت، ليس لهم ثقل سياسي ولا يرون بالعين المجردة.
مَن سمع صوت لبنان في قمة المناخ؟
هل هناك مَن أخرج قضية «الزبالة» من صراع الطوائف/ أو الحرب بين الناس و»اللادولة» إلى نطاق إنساني أوسع، يرتبط بمصير البشر؟
وماذا قال الرئيس السيسي بينما الدلتا المصرية مهدّدة بالاختفاء خلال سنوات قريبة (والسبب الاحتباس الحراري الذي يرفع درجة الحرارة) كما أن الإسكندرية أسطورة الكوزموبوليتان المصرية تنتظر الغرق للسبب نفسه؟
هل للدفاع عن الحياة مستقبل في سيرك الخراب الذي نعيشه؟
ـــــ 3 ـــــ
هل يمكن المشاركة في إنقاذ الكوكب؟
هل نهتم؟ هل يمكننا أن نشارك في «إنسانية جديدة» تحافظ على الحياة في الكوكب الذي نقرأ عنه في توصيات لجنة تنظيم قمة باريس: انبعاثات الغازات المتسبّبة في الاحتباس الحراري ارتفعت بنسبة 80 في المئة منذ سنة 1970، وبنسبة 30 في المئة منذ سنة 1990، لتصل إلى 49 جيكا طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنة 2010.
وبالنظر إلى إيقاع الانبعاثات العالمية الحالي، والتي ترتفع بنسبة 2.2 في المئة خلال الفترة ما بين 2000 و2010، فإن درجة حرارة الأرض سترتفع أربع درجات بالوصول إلى سنة 2100، ما ستكون له آثار مدمرة على الطبيعة والإنسان؛ لهذا فإن المشاركين في القمة سيحاولون الخروج باتفاق يقضي بتخفيض حرارة الأرض بدرجتين، وذلك عبر تخفيض انبعاثات الغازات السامة بنسبة 70 في المئة في أفق سنة 2050.
من السهل إقامة تحالف ضد «داعش» بعد أن غادرت «الدولة الإسلامية» مواقعها ووصلت إلى باريس.. لكن هل تكون باريس نقطة انطلاق إلى «إنسانية» تدافع عن بيئتها؟
هل يمكن أن يحدث ذلك في ظل هيمنة الدول الصناعية الكبرى راعية تدمير الكوكب؟
أم أننا في إطار فانتازيا الدفاع عن الحياة، سندفع حركاتنا الخجولة للدفاع عن البيئة، لتبقى في قلب «إنسانية جديدة» بعيداً عن الحرب على «داعش» أو صراعات الوحوش وصانعيها؟