IMLebanon

قل أنا ولا تقل سورية

انسداد عسكري في سورية. هذا ما يراه العالم: معارك مستمرة بلا وساطات إقليمية أو دولية وجمود ملحوظ في الأمم المتحدة تجاه مؤتمر جنيف آخر. أما الاتفاق الأميركي- الروسي لوقف النار ومساعدة السوريين المحاصرين، فهو مجمّد إلى إشعار آخر. والتعليق الوحيد مشاعر إنسانية: انظروا إلى الشعب السوري يدفع الثمن وحده، كما دفعت شعوب أخرى.

وانسداد فكري، لأن المعارضة المدنية مهمّشة تظهر في الواقع الافتراضي وتغيب عن الملموس، حيث جماعات عسكرية تقلب صفحة الحاضر والماضي القريب لتصدح بشعارات تتعدّى سورية إلى طموح بنظام خلافة متسامٍ فوق الواقع. هنا لا كلام على اقتصاد واجتماع وعلاقات مع الآخر المختلف. هنا الأنا الجمعية الإسلامية المفترضة ولا مكان لسورية. يا لسورية التي تُختصر في ساحة احتقار لمتطلبات البشر الدنيوية.

وانسداد فكري أيضاً، لكنه يخترق ظلمة النفق أحياناً إلى خيالات مثقّفين يظنونها عقلانية يحتاجها العالم. هؤلاء الذين لم يدركوا حاجات وطنهم ومواطنيهم يتحدثون عن ضرورات يعجز العالم عن وعيها فيعلمونه السبيل الصحيح إلى هذا الوعي!

ومن هذا القبيل دعوة حكام الدول الكبرى إلى تفهّم السلوك العدمي لـ «القاعدة» و «داعش» وأشباههما، وأن لا يكون الرد على إبادة تمارسها هذه التنظيمات بإبادة مماثلة تشي بعدمية سياسية. ومثل هذه الدعوة يوجّهونها إلى الحكّام في الشرق الأوسط وإلى المثقفين أيضاً. هل المقصود هم المثقفون المهمّشون، أم أولئك الذين يأنسون إلى عضويتهم في تيارات الإسلام السياسي أو في توهّمات يسار يسقط من طائرات الوهم على أرض التيارات السائدة؟

نتحدث هنا عن سورية التي لم يبق من قواها «السياسية» سوى عناد النظام وعناد المعارضة. وهما حالتان وجدانيتان لا موقفان سياسيان، بعدما ارتهن النظام إلى حلفائه وارتهنت المعارضة إلى جحافل عسكرية متطرّفة يظن رجب طيب أردوغان أنه قادر على توظيفها وضبطها، فيما تثبت الأحداث «استقلال» هذه الجحافل وتمسُّكها بحرب تعنيها أكثر مما تعني خالقيها وأهل سورية.

وفيما نلمح اعترافاً أميركياً وروسياً، بل إيرانياً أيضاً، بدور إقليمي رئيسي لتركيا في الأزمة السورية، تمارس إدارة أردوغان سلوكاً شبيهاً بسلوك أتباعها المتطرفين، إذ تتغيّر مواقفها بحسب نتائج المعارك وتسدل ستار الغموض على جيشها في الشمال السوري: هل هناك حقاً 41 ألف جندي تركي في سورية كما تعلن أنقرة؟ وماذا يفعل هؤلاء في منطقة تقل مساحتها عن 4 آلاف كيلومتر مربع؟ وما هو عديد الجيش الحر الذي تقول أنقرة إنه يدير المنطقة التي «تحتلها»؟ وما مدى استقلال هذا الجيش الإداري باعتباره موصوفاً بالاعتدال؟

حيث تكون تركيا الأردوغانية يكون الغموض، وهي التي تتحالف مع المتطرفين، «جبهة النصرة» على الأقل، ترى في الغموض تسييراً للمرحلة الانتقالية قبل إعلان أطماعها في سورية أو الاعتراف بفشل هذه الأطماع.

قل أنا ولا تقل سورية، سواء كنت من قادة النظام أو من قادة الجحافل المتطرفة التي «أعدمت» المعارضة، أو من قادة دول منخرطة في الصراع الإقليمي العالمي على أرض سورية.

وإذا قلتَ «أنا» فلا تصدّر مشاكلك إلى أرض سورية، لأن التصدير يفاقمها ولا يحلها. انظر إلى الأردن المعروف بامتلاكه واحداً من أهم الأجهزة الأمنية في المشرق، يتلقى ضربات داخلية آخرها اغتيال الصحافي ناهض حتّر. لا تمنع الأجهزة اختراقات المجتمع بالفكر الجهادي المتطرف. لا تنجح تماماً، لأنها ابنة هذا المجتمع ولم تسقط عليه من المريخ. وانظر إلى «حزب الله» اللبناني يعلن أمينه العام قبل يومين أن الكلمة في سورية للميدان لا للسياسة، لكنه يشير إلى نزعات تكفيرية في الوسط الشيعي اللبناني مصدرها «التشيُّع البريطاني»، ولم يحدد نصر الله المقصود بذلك، القنوات الفضائية التكفيرية الشيعية التي تبث من لندن. اكتفى بالتحذير: «هؤلاء عملاء استخباراتيون هدفهم تدمير المذهب، وكل من يؤيدهم في ذلك عميل جبان، وكل من يراعيهم ويسكت عن غيّهم متآمر».

قل أنا ولا تقل سورية. اترك الكلام للسوريين.