IMLebanon

السيّد لـ «السفير»: هذه هي القصة الحقيقية لـ«المزارع» وقواعد الاشتباك

كلام كثير قيل حول هوية مزارع شبعا وهل هي لبنانية ام سورية، وهل تخضع للقرار 425 ام للقرارين 242 و338.

وكلام كثير قيل حول طبيعة قواعد الاشتباك التي رست على الخط الازرق وما بعده، في أعقاب الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب عام 2000.

ولكن، ماذا يقول من شارك في المفاوضات الصعبة مع الموفد الاممي تيري رود لارسن حول ترسيم المزارع والخط الازرق، ومن واكب كواليس الاجتماعات وخفايا العروض التفاوضية العابرة للحدود؟

في هذه المقابلة التي أجرتها «السفير» مع اللواء الركن جميل السيد والذي كان المدير العام للامن العام في تلك الحقبة، يكشف السيد عن أسرار ووثائق تضع حداً لالتباسات سياسية وجغرافية، تتصل بملف الصراع مع اسرائيل، على الحدود الجنوبية.

ما هي الهوية الحقيقة لمزارع شبعا، استنادا الى الوثائق التاريخية؟

يؤكد اللواء جميل السيّد أن مزارع شبعا منطقة تقع حصراً وجغرافيّاً بين لبنان وسوريا شرقاً، وليس بين لبنان وإسرائيل، ذلك ان قسما من تلك المزارع هو أملاك أميرية للدولة اللبنانية وأملاك خاصة لمواطنين لبنانيين كانوا يقيمون فيها بموجب مستندات وسندات ملكية مسجّلة في دائرة صيدا العقارية، وقسمٌ آخر منها مسجّل في الدوائر العقارية السورية ويعود الى مواطنين سوريين.

وحتى العام 1967 كان عدد اللبنانيين المقيمين في مزارع شبعا حوالي 15 الف نسمة في حوالي 1500 منزل ومزرعة ولم تكن إسرائيل في أي وقت معنية بها ولا بأي نزاع حولها أو ادعاء بملكيتها، وحيث من المعترف به تاريخياً ورسميّا أيضاً أن الحدود الجنوبية بين لبنان وإسرائيل كانت قد رسمت في العام 1923 بين الانتداب الإنكليزي في فلسطين والانتداب الفرنسي في لبنان حينذاك، ثم أعيد تأكيد الحدود نهائيّاً بإشراف الأمم المتحدة في العام 1949 بموجب اتفافية الهدنة اللبنانية ـــ الإسرائيلية.

وحول الإطار القانوني الذي ينظم وضعها بين لبنان سوريا، يقول إنه حين رُسمت الحدود السورية ـــ اللبنانية لمزارع شبعا زمن الانتداب الفرنسي والإنكليزي لم تُدْرج في الخرائط الرسمية، ما دعا الحكومة اللبنانية لتوجيه مذكرة الى الحكومة السورية في العام 1946 والتي ردّت بموجب المذكرة الرقم (ق574- 53/124) تاريخ 29/9/1946 «بأن ما حصل هو خطأ فني بحت لم يقصد منه إدخال المزارع المذكورة في نطاق سوريا…».

وبناءً عليه، تألفت لجنة لبنانية – سورية لترسيم الحدود عام 1949 برئاسة وزير الدفاع اللبناني حينذاك الأمير مجيد أرسلان، وكان آخر المحاضر الموقّعة بين الجانبيبن في عام 1966 ينصّ على أن الحدود الدولية بين لبنان سوريا في منطقة مزارع شبعا هي تلك العائدة لحدود الملكيات العقارية لدى كل من البلدين، إلا أن هذا الترسيم المتفق عليه لم ينتقل الى الخرائط الرسمية بين لبنان وسوريا بسبب اندلاع حرب 1967.

يشير السيد إلى أن إسرائيل خلال حرب 6 حزيران 1967 احتلت اسرائيل قسماً من هضبة الجولان، ثم في 15 حزيران احتلت ستاً من مزارع شبعا، ثم ثلاثاً أخرى في العشرين منه، ثم خمساً في الخامس والعشرين منه وطردت أهاليها الى الداخل اللبناني بعدما دمرت حقولهم ومنازلهم، وتواصل القضم الإسرائيلي تباعاً لتلك المنطقة حتى شهر نيسان 1989 حين احتلت إسرائيل المزرعة اللبنانية الأخيرة، وهي مزرعة بسطرة، وطردت أهلها البالغ عددهم ثلاثين عائلة لبنانية.

ويوضح أنه في مطلع شهر أيار من العام 2000، أوفدت الامم المتحدة مبعوثها تيري رود لارسن للتداول مع الدولة اللبنانية في شأن الانسحاب الاسرئيلي. وقد جاء في رسالة كوفي أنان أن الانسحاب سيتم الى «خط أقرب ما يكون الى الحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل» وحيث أوفد لهذه الغاية خبير الخرائط في الامم المتحدة السيد «بنتر» الذي جاء بخريطة تمثل خط الانسحاب الاسرائيلي، وتبين ان هذا الخط يتضمن خروقات مغايرة للحدود الدولية المعترف بها.

المياه تتلف سجلاً دولياً!

ويضيف: لما كانت لدينا خرائط رسمية دولية وسجل رسمي موقّع من قبل لبنان واسرائيل والامم المتحدة حول ترسيم العام 1949، فقد واجهْنا بنتر بهذا السجل التاريخي المحفوظ لدى الجيش اللبناني وأبلغناه بوجود نسخة طبق الأصل عنه لدى كل من الامم المتحدة واسرائيل، فأجاب بأن سجل الاسرائييين قد ضاع في وقت سابق، وان سجل الأمم المتحدة قد تلف إثر تسرب مائي في الامم المتحدة، وبالتالي فسجلّنا وحده غير موثوق، رافضاً اقتراحنا بعرضه على خبراء.

وبعدما جرى تكليف العميد الركن أمين حطيط من قبل الرئيسين إميل لحود وسليم الحص بالإشراف العملي على الأرض فقد أمكن إزالة كل تلك الخروقات، مع التحفظ على ثلاث نقاط محدودة على الخط الأزرق للانسحاب في الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

يكشف السيد أن قواعد الاشتباك لم تحدد داخل الاجتماعات التقنية أو الرسمية التي جرت مع المبعوث الأممي لارسن، لكن، في إطار تأكيد احترام الخط الازرق من قبل كل الاطراف المعنية، بما فيها المقاومة، فقد جرى التداول بيني وبين لارسن حول الضوابط العملية بما يحافظ على الهدوء الحدودي، وأفضى النقاش الى اعتماد الضوابط التالية أو ما سُمّي لاحقاً بقواعد الاشتباك:

اولاً: إن خرق الخط الازرق على الحدود الدولية من قبل أي طرف يعني الإباحة للطرف الآخر الرد عليه على الخط الأزرق نفسه.

ثانيا: إن الخرق خارج الخط الأزرق في العمق، أي في الداخل اللبناني أو الإسرائيلي، يقابله خرق في العمق.

ويوضح أنه خلال الاجتماعات مع تيري رود لارسن وفريقه، وبعدما جرى اعتماد الخط الازرق بين لبنان وإسرائيل، جرى التطرق الى موضوع المزارع التي احتلتها اسرائيل تباعا كما ذكرنا، وحيث قدّمنا للارسن مختلف المستندات والوثائق التي تثبت لبنانيتها، مطالبين بانسحاب اسرائيل منها وفقاً للقرار 425، أجاب لارسن انه لا خرائط رسمية لدى الامم المتحدة للحدود الدولية بين لبنان وسوريا في تلك البقعة، وان إسرائيل تعتبرها تابعة للجولان بالقرارين 242 و338 وليس للقرار 425.

أضاف: بناء لهذا الرفض اقترحنا على لارسن ان نسأل الجانب السوري عن مدى استعداده للتوقيع معنا على خريطة الحدود في منطقة مزارع شبعا، وفقا لترسيم عام 1966، فأبدى لارسن تفهمه للمحاولة وعدم قناعته بنجاحها.

عن رد الفعل السوري على الاقتراح اللبناني يقول السيد: اجتمعت حينذاك بمدير الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني العميد نعيم فرح رحمه الله، وطلبت منه تصنيع خريطة مبدئية تظهر فيها الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا في منطقة مزارع شبعا ثم عرضتها على الجانب السوري وأننا أمام فرصة تاريخية لتحرير المزارع من الاحتلال في حال قبولهم بالتوقيع عليها، وحيث القانون الدولي يعتبر تلك الحدود شأناً خاصاً بين البلدين فقط، وجاء الجواب السوري بالموافقة.

أبلغت لارسن بالموافقة السورية وعرضت عليه الخريطة المصنعة حديثا للحدود اللبنانية السورية في مزارع شبعا والجاهزة للتوقيع من قبل الفريقين، فذهب بها الى اسرائيل ثم أبلغ الجانب اللبناني رسمياً أنه: «سواء كانت هناك خريطة ام لم تكن، فإن إسرائيل ترفض الانسحاب من المزارع، ونحن كأمم متحدة نؤيد موقف إسرائيل في هذا المجال».

وحول تأثير الرفض الأممي والاسرائيلي لخريطة ترسيم حدود مزارع شبعا بين لبنان سوريا، على واقع تلك المنطقة، وهل صحيح انه شخصيا ساهم في «اختراع» حجة المزارع لتبرير احتفاظ المقاومة بسلاحها، يقول السيّد: نتيجة لشكوكنا حول انحياز لارسن للجانب الإسرائيلي فقد كُلفت من الرئيسين لحود والحص بصياغة رسالة باسم الحكومة اللبنانية الى كوفي أنان حول مزارع شبعا، وقد جاء في نص الرسالة: «ان مزارع شبعا هي لبنانية، ويشكل الانسحاب الإسرائيلي منها جزءاً لا يتجزأ من تنفيذ القرار 425، وفي خلاف ذلك يكون هذا الانسحاب غير كامل وتنطبق عليه صفة إعادة الانتشار لقوات الاحتلال مع ما يترتب عليه من نتائج…». وبالطبع لم نحصل على الجواب المرجو من الأمم المتحدة التي رضخت للضغط الإسرائيلي للبقاء في المزارع.

وبالتالي، وخلافا لكل ما قيل ويقال، فإن الطرف اللبناني حينذاك لم يفتعل بقاء الاحتلال لتبرير بقاء المقاومة، بل سعى الى زوال هذا الاحتلال، لكن الرفض جاء من الطرفين الدولي والاسرائيلي. ونتيجة بقاء الاحتلال في مزارع شبعا فقد أدّى النقاش بيني وبين لارسن الى إضافة قاعدة ثالثة للاشتباك وهي: ان كل عمل عسكري في منطقة مزارع شبعا يُرد عليه في تلك البقعة حصراً ولا يُرد عليه في العمق الداخلي أو على الخط الأزرق الحدودي بين البلدين.

وعما إذا كان القرار 1701 بعد حرب تموز 2006 قد نسف قواعد الاشتباك المتوافق عليها منذ عام 2000، يلفت السيد إلى أن القرار 1701 هو عبارة عن وقف لإطلاق النار وتوسيع لمهام قوات الأمم المتحدة وبعض قيود على حركة المقاومة ولا علاقة له بترسيم حدود أو قواعد اشتباك. وبمجرد انتهاء العدوان من دون أي تعديل على الخط الأزرق أو في مزارع شبعا، فقد عادت تلك القواعد تلقائياً الى ما كانت عليه منذ العام 2000 بين لبنان واسرائيل.

قواعد الاشتباك أصبحت خمساً

وعن مصير تلك القواعد بعد إعلان السيد حسن نصرالله مؤخرا عن تحرره من الاعتراف بها، يقول اللواء السيّد: لقد استهدفت اسرائيل في القنيطرة مجموعة من حزب الله، كانت تنتقل في وضح النهار في سيارتين مدنيتين، داخل خطوط الجيش السوري، وليس في المنطقة المنزوعة السلاح أو الى جانب الشريط الاسرائيلي الشائك، وكأنّ العدو أراد بذلك أن يرسي قاعدة اشتباك ضد الحزب ليستفرده ويستبيحه في أي مكان في سوريا على أساس أنها ساحة «كل مين إيدو إلو» وأن الحزب سيكون عاجزاً عن الردّ.

ولذلك كان يستحيل على المقاومة ان تسمح للعدو الاسرائيلي بفرض أمر واقع أو قاعدة اشتباك من طرف واحد، فكان أن ردّت على العملية الإسرائيلية بعملية مضادة في منطقة لبنانية محتلة هي مزارع شبعا، وكرّست من خلالها حقيقة ان المقاومة هي نفسها في لبنان سوريا، وبالتالي فالمعركة واحدة في الساحتين، وما ينطبق على إحداها يسري تلقائيا على الاخرى.

وفي اقتناعي بأن أكثر من يفهم المقاومة ويحلل رسائلها هو الإسرائيلي الذي استخلص المقصود من رسالة المزارع وعضّ على الجرح برغم قوّته، وهو يعرف أكثر من سواه أن القوة لا تعني القدرة في أحيان كثيرة.

ويمكن القول هنا إن سوء التقدير كما الخطيئة التي ارتكبتها اسرائيل في القنيطرة، قد أعطت مفعولاً عكسيّاً عليها وخدمت المقاومة من حيث لم ترغب، بحيث سمحت لها بأن ترسي قاعدة اشتباك جديدة تحميها في سوريا، وهي أن أي اعتداء هناك سيقابله رد على إسرائيل، وقاعدة اشتباك أخرى عنوانها حماية عناصر المقاومة داخل لبنان والرد على أي اغتيال ملتبس يستهدفهم إفراديّاً.

وبالتالي فإنه حين قال السيّد حسن نصر الله مؤخراً إنه ألغى قواعد الاشتباك مع إسرائيل، فإن الغافلين رأوا في ذلك انفلاتاً واستباحة، أمّا قادة العدو فقد فهموا مباشرة وعن حقّ أنهم أصبحوا من الآن وصاعداً أمام خمس قواعد اشتباك في لبنان وسوريا: ثلاث من العام 2000 واثنتان في العام 2015 وحتى إشعار آخر.